حقوق ضائعة لضحايا الأخطاء الطبية في تونس

حقوق ضائعة لضحايا الأخطاء الطبية في تونس

20 أكتوبر 2019
مماطلة مستمرة (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -
يحتاج ضحايا الأخطاء الطبية في تونس إلى وقت طويل ونفس أطول لتحصيل حقوقهم، في غياب أطر قانونية واضحة تكفل لهم حقوق التعويض وإثبات الضرر الذي يلحق بهم من جراء تدخل طبي أو جراحي خاطئ، فيما يشكو الأطباء أيضاً من تقصير في القوانين التي تحميهم من الاتهامات الباطلة التي تطاولهم في بعض الأحيان نتيجة شكوك مرضاهم في إهمال قد يؤدي إلى ضرر أو وفاة.

في أروقة المحاكم ما زالت زهرة العبيدي، تلاحق منذ عام 2016 تقارير ووثائق طبية لإثبات خطأ طبي سبّب وفاة شقيقها (48 عاماً) الذي تعرض لحادث مروري نتج منه نزف داخلي في القفص الصدري لم يكشفه الأطباء الذين أخطأوا تشخيص حالته. تقول زهرة إنّ شقيقها نُقل بعد الحادث إلى أحد المستشفيات الحكومية في العاصمة، لكنّ الطاقم الطبي أكد له بعد الفحوص اللازمة أنّ حالته مستقرة ويمكنه مغادرة المستشفى. لكنّ آلاماً في الصدر دهمته مجدداً، ما اضطره إلى الانتقال إلى أحد المستشفيات الخاصة، حيث أُخضع لتصوير بالأشعة، لكنّ الأطباء لم ينتبهوا بسبب السهو أو التقصير إلى النزف الذي أدى بعد ساعات إلى وفاته.




ومنذ فبراير/ شباط 2016 تسعى زهرة كما تقول لـ"العربي الجديد" إلى إثبات الضرر الذي سبّب وفاة شقيقها، مؤكدة أنّها مستعدة للانتظار سنوات أخرى إذا اقتضى الأمر لاستعادة حق شقيقها الراحل. وتشكو زهرة من طول وصعوبة إجراءات التقاضي والحصول على التقارير الطبية من الدوائر الرسمية، لإثبات الضرر، مؤكدة أنّه بعد انقضاء نحو 3 سنوات على وقوع الخطأ الذي سبّب وفاة أخيها، لم يتعهد القضاء بعد بملف القضية.

بدوره، يؤكد المحامي أمين الجلالي، القائم بالحق الشخصي، في قضية شقيق زهرة العبيدي، والمختص في الدفاع عن قضايا ضحايا الأخطاء الطبية، طول إجراءات التقاضي وتعقيدها في هذا الصنف من الملفات. يقول لـ"العربي الجديد" إنّ ثلاث سنوات من الإجراءات القانونية لم تكن كافية لحصوله على وثائق أساسية لملف القضية، من بينها تقرير الطب الشرعي وتقرير الاختبار الطبي الذي أجري لشقيق موكلته، مؤكداً أنّه تقدم بأذون قضائية للحصول على هذه الوثائق من وزارة الصحة، لكنّ كلّ الإجابات كانت سلبية. يلفت إلى أنّ شبهات تواطؤ بين أفراد الطاقم الطبي تمنع في أغلب الأحيان من الحصول على أدلة الإدانة التي تثبت الخطأ الطبي من عدمه، مشيراً إلى أنّ أغلب القائمين بالحق الشخصي عن المتضرر يصابون باليأس بطول المدة ويتركون قضاياهم وحقوقهم.

ينتقد الجلالي عدم وضوح القوانين التونسية في هذا المجال، مؤكداً أنّ التعويضات التي يحصل عليها المتضررون بعد صدور أحكام ضعيفة جداً لمصلحتهم لا ترمّم ما يحصل لهم من أضرار مادية ومعنوية وأسرية في بعض الأحيان. يضيف أنّ قضايا الأخطاء الطبية تخضع حالياً للفصل 217 من المجلة الجزائية الذي يقول: "يعاقب بالسجن مدة عامين وبغرامة قدرها 270 ديناراً (255 دولاراً) مرتكب القتل عن غير قصد الواقع أو المتسبب عن قصور أو عدم احتياط أو إهمال أو عدم تنبّه أو عدم مراعاة القوانين".




يشير الجلالي إلى أنّ العقوبات والغرامات ضعيفة مقارنة بما يحصل من ضرر في أغلب الأحيان، لافتاً إلى أنّ التعويض يخضع لسلّم لا يتجاوز قيمة 100 ألف دينار (35 ألف دولار) في الحدّ الأقصى بمعدل ألف دينار (350 دولاراً) عن كل نقطة ضرر يقدرها الأطباء في تشخيص نسبة "السقوط البدني" الذي يصاب به المتضرر من الخطأ الطبي. لكنّ لوزارة الصحة وجهة نظر أخرى، إذ تعتبر الجهات الرسمية أنّ عدم تصديق البرلمان على مشروع قانون المسؤولية الطبية يضع المريض والطاقم الطبي وشبه الطبي في دائرة الخطر في غياب تحديد واضح للمسؤوليات الطبية ومعنى الخطأ الطبي. ويقول المدير العام للتفقدية الطبية، الدكتور نوفل السمراني، إنّه في غياب نص قانوني واضح يحدد المسؤوليات الطبية يقع التعاطي مع ملفات الأخطاء الطبية كقضايا جزائية ينظر فيها القضاء بالاستناد إلى فصول المجلة الجزائية، مؤكداً أن تأخر صدور القانون الذي أحيل على البرلمان منذ عام 2018 يخلق أوضاعاً قانونية شائكة ويهدد بهدر حقوق المرضى والأطباء على حد السواء. يعتبر السمراني أنّه لا يمكن الحديث عن الخطأ الطبي أو الحادث الطبي من دون الخوض في المسؤولية الطبية والإطار القانوني الذي يحددها، مشيراً إلى أنّ المشرّع لم يحدد في المجلة الجزائرية مفهوم الخطأ الطبي ولم يعرّفه بقدر ما حدد الخطأ بصفة عامة. وعن حجم التعويضات التي تقدمها وزارة الصحة سنوياً لضحايا الأخطاء الطبية يتابع بأنّه لا يمكن حصر المبالغ المالية لأنّ المستشفيات التي تقع فيها الأخطاء ويثبتها القضاء بحكم، تصرف التعويضات من ميزانياتها الخاصة.

وتقدر الجمعية التونسية لمساعدة ضحايا الأخطاء الطبية وقوع نحو 15 ألف شبهة خطأ طبي سنوياً، تشمل مختلف التدخلات الطبية.

المساهمون