50 تهمة بحق ناشط فلسطيني

50 تهمة بحق ناشط فلسطيني

17 أكتوبر 2019
مستمرّ في النضال (العربي الجديد)
+ الخط -
بينما كان الناشط الفلسطيني عيسى عمرو يستعدّ للهجرة إلى كندا عام 2005 علّه يبدأ حياة جديدة ويجد عملاً، جاءه خبر سار بحصوله على وظيفة في محافظته الخليل جنوب الضفة الغربية. امتنع عن الهجرة وبقي في فلسطين، لكنه لم يكن يدري أن في انتظاره 50 تهمة وجهها إليه الاحتلال الإسرائيلي على خلفية نشاطه السلمي ضد اعتداءات المستوطنين في مدينة الخليل، وتحديداً في البلدة القديمة من الخليل حيث الحرم الإبراهيمي الشريف.

من بين 50 تهمة مقيدة في ملف عيسى عمرو لدى الشرطة الإسرائيلية، حُوِّل منها 18 تهمة إلى المحكمة الإسرائيلية. أبرز هذه التهم: التحريض ضد الاحتلال، وتنظيم تظاهرات وفعاليات غير قانونية، والاعتداء على مستوطنين.

يتولى أربعة محامين الدفاع عن عيسى عمرو في المحاكم الإسرائيلية، والذي تُعقد محاكمته الشهر المقبل، في إطار سلسلة جلسات محاكمة في معسكر عوفر. وقد اعتقل عيسى عمرو مرات كثيرة خلال السنوات الماضية، لكن اعتقاله لم يدم سوى أيام قليلة، وقد نجح في خلق ضغوط دولية ضد الاحتلال وضد السلطة الفلسطينية التي اعتقلته لأسبوع في عام 2017 بتهمة "إثارة النعرات" و"إطالة اللسان على مقامات عُليا"، لكنه خرج نتيجة ضغوط. ويُعارض عمرو السلطة من منطلق أدائها وظائفها الحكومية والوطنية، ويُعرف عنه دفاعه عن الصحافيين المعتقلين لدى السلطة على خلفية عملهم الصحافي.

يشير عمرو إلى أنه هدد من قِبل مستوطنين بالقتل مرات عدة، ويتهم شخصيات محسوبة على حركة فتح بتهديده بالقتل أيضاً، على الرغم من أنه يؤكد لـ "العربي الجديد" أنه يعمل بشكل خالص لفلسطين وكل الفلسطينيين. "لم يعجب كثيرون بما أفعله وحاولوا سرقة جهد شباب ضد الاستيطان، وتسييسه لصالح حركة فتح، ومارسوا ضغوطاً هائلة علي، كإحالتي إلى التقاعد الإجباري من وظيفتي كمدرب مهني في وزارة العمل ـ منطقة يطا ـ الخليل، لمدة 15 شهراً بدءاً من يناير/كانون الثاني 2018، عدا عن اتهامي بالعمالة".



وُلد الناشط عيسى عمرو في 13 إبريل/نيسان في عام 1980 في البلدة القديمة من الخليل. عاش طفولته بين أزقّتها وقرب حرمها الإبراهيمي، قبل أن يقرّر والده ترك البلدة القديمة والانتقال إلى منطقة واد الهرية جنوب مدينة الخليل، حيثُ جامعة بوليتكنك فلسطين التي درس فيها الهندسة الكهربائية. بدأت شخصية عيسى عمرو السياسية في التبلور بعدما أغلق الاحتلال الجامعة في يناير/كانون الثاني عام 2003، فشكل ورفاقه في كلية الهندسة مجموعة سرية قررت فتح الجامعة، وحشد ما يقارب ثلاثة آلاف طالب من أجل ذلك. وبالفعل، نجح الطلاب في يوليو/تموز من العام نفسه، ووقتها بدأت قناعة عيسى عمرو بجدوى العمل الشعبي تترسخ. يقول: "يمكن أن ننتصر بالعمل الشعبي".

قبل بدء العمل في وزارة العمل الفلسطينية بعد تخرّجه، تطوع في العمل الجماهيري حتى عام 2005. وقبل ذلك، انضم لحركة التضامن الدولية، وشارك ونظم فعاليات ضد جدار الضم والتوسع في الخليل على الأخص، ونجح وآخرون في إرجاع حدود الجدار الفاصل إلى مناطق الداخل المحتل عام 1948 في مناطق عدة، كمنطقة "الرماضين" جنوب غرب الخليل.

في عام 2006، نجح عيسى عمرو في توثيق انتهاكات الاحتلال ومستوطنيه ضد الفلسطينيين من خلال فيديوهات. وعمد إلى توزيع كاميرات على عائلات فلسطينية في منطقة تل إرميدة في الخليل، وهي من أكثر المناطق الحساسة في المدينة وأهلها يتعرضون لمضايقات جمة من المستوطنين وتحت عيون جيش الاحتلال.

بدأت شخصية عيسى عمرو السياسية في التبلور حين كان في الجامعة (العربي الجديد) 


يوضح عمرو: "أعجبت الفكرة منظمة (بتسيلم) التي تقول إنها تعمل من أجل حقوق الفلسطينيين وإنهاء احتلال أراضي 1967، وعممنا معها الفكرة على الكثير من أراضي الضفة الغربية".

وتزامناً مع عمله في المنظمات والحركات الدولية المناهضة للاحتلال، شعر عمرو وصديقه طارق أبو حمدية بضرورة تشكيل جسم فلسطيني مكون من شبان فلسطينيين، يتحركون على الأرض ضد الاستيطان والاحتلال بصورة سلمية، لا سيما في مدينة الخليل. فقرروا في 25 فبراير/شباط عام 2010، وهو تاريخ مجزرة الحرم الإبراهيمي، إطلاق مجموعة "شباب ضد الاستيطان"، ومقرها في تل إرميدة في بلدة الخليل القديمة.

وتُنظّم المجموعة مئات الجولات لوفود أجنبية سنوياً في الخليل، وتُعرّف شعوب العالم بمعاناة سكانها في البلدة القديمة، وتستقطب أعضاء برلمانات دول بارزة كألمانيا وأميركا وفرنسا وبريطانيا، وتقصد مؤسسات هذه الدول لتعريفها بقسوة الاستيطان، وبطش الاحتلال، ومحاولة خلق ضغط من قبل البرلمانات على حكوماتها لدعم قضية فلسطين، والتحرك ضد المؤسسات الداعمة للصهيونية.

بعدما طردت إسرائيل مجموعة المراقبين الدوليين في الخليل المعروفة بـ "TIPH"مطلع عام 2019، قرر "شباب ضد الاستيطان"، على رأسهم عيسى عمرو، استبدالها بقوة فلسطينية تابعة لمجموعتهم أسموها "مجموعات الكفاح للحماية والتوثيق"، يرتدي عناصرها الـ 50 حالياً بزات زرقاء أسوة بالحركة الدولية المطرودة، وصاروا يقفون في وجه غُلاة المستوطنين في الخليل كالمتطرفة عنات كوهين والمتطرف عوفر يوحنا، وتوثيق انتهاكات المستوطنين والاحتلال.



وفي سابقة من نوعها، رفع الناشط عيسى عمرو قضايا عدة ضد الاحتلال والمستوطنين في منطقة الخليل، وربح بعضها في المحاكم الإسرائيلية، كدعوى ضد اعتقاله من قبل الجيش الإسرائيلي بصورة غير قانونية، وقضية مصادرة قطعة أرض لصالح إقامة المستوطنين حديقة تلمودية في تل إرميدة، ويُثير ما يفعله عمرو بهذا الخصوص عجب الإسرائيليين وسخطهم في آن.

وعرض دبلوماسيون من مختلف الدول الأوروبية على الناشط عيسى عمرو التخلي عن نشاطه ضد الاستيطان والانتقال إلى بلدانهم، كما عرض عليه محققون إسرائيليون السفر من أجل إكمال دراسته العليا، لكنه رفض قائلاً: "أكمل رسالة الماجستير لكن في فلسطين". ويشعر عمرو، كما يقول لـ "العربي الجديد"، بمسؤولية اجتماعية ودينية بعد كل هذا النشاط، "وهذا ما يدفعني إضافة لحب وطني إلى مواصلة الطريق ضد الاستيطان وأعمل حالياً على بناء شباب آخرين أرى فيهم القدرة على مواصلة ما بدأته".