روسيا تعيد أبناء جاليتها في الخارج

روسيا تعيد أبناء جاليتها في الخارج

09 يناير 2019
خلال الاحتفال بيوم الوحدة الوطنية (سيرغي فادييشيف/ Getty)
+ الخط -


مع تراجع نسبة المواليد في روسيا، والذي سيؤدي إلى تراجع عدد السكان خلال السنوات والعقود المقبلة، تواصل روسيا تطبيق برنامج دعم عودة المواطنين من أبناء الجالية الروسية، التي تعد واحدة من أكبر الجاليات في العالم، وتقدّر بنحو 25 أو 30 مليوناً، غالبيتهم في الجمهوريات السوفييتية السابقة مثل أوكرانيا وكازاخستان ودول البلطيق وغيرها.

هذا البرنامج يتيح للمشاركين فيه استرداد قيمة كافة النفقات المتعلقة بالسفر إلى روسيا، والحصول على معونة مالية لتأسيس حياتهم، إضافة إلى إعانة شهرية إلى حين إيجاد عمل أو استكمال إجراءات الحصول على الجنسية الروسية خلال ستة أشهر. ومنذ إطلاق البرنامج، استفاد منه نحو 800 ألف شخص انتقلوا إلى 66 إقليماً روسياً.

قسطنطين سيريكوف أحد هؤلاء. انتقل من العاصمة الأوزبكية طشقند إلى مدينة كالينينغراد الروسية المطلّة على بحر البلطيق لأسباب عائلية في عام 2010. يقول إن التحديات الرئيسية التي يواجهها الروس العائدون إلى وطنهم التاريخي، هي شراء مسكن في ظل ارتفاع أسعار العقارات، والتكيّف مع الحياة في روسيا بشكل عام. ويوضح لـ "العربي الجديد": "الصعوبة الرئيسيّة هي التكيّف، إذ يصعب حتى على الروس الإثنيين فهم بعض الأمور في الدولة الروسية مثل الطوابير للالتحاق برياض الأطفال والعيادات الصحية. إضافة إلى ذلك، لا يستطيع العديد منهم إيجاد عمل يلبي تطلعاتهم، كما أنه من الصعب تثبيت الأقدام في محل إقامة جديد بلا مدخرات تذكر، عدا عن صعوبة شراء بيت".



على الرغم من ذلك، يرى أن برنامج إعادة المواطنين حقّق نجاحات، فقد "انتقل آلاف الأشخاص إلى مختلف الأقاليم الروسية، مستفيدين من فرصة الحصول على الجنسية. كما أن هذا البرنامج غير محدد المدة، ويعتمد على مدى احتياج كل إقليم إلى السكان القادمين. وفي أحيان كثيرة، ينتقل المشاركون في البرنامج إلى اقليم جديد، وقد يخسرون معونتهم بسبب ذلك. لكن لا عوائق فعلية أمام تنقلاتهم داخل البلاد في وقت لاحق".

ويشير سيريكوف إلى تحسّن كبير خلال السنوات الماضية يتعلق بتخفيف القيود البيروقراطية، إذ لم تعد هناك طوابير بدءاً من الخامسة صباحاً أمام المصالح الحكومية، كما زادت احتمالات العمل والاندماج حتى قبل الحصول على الجنسية.

من جهة أخرى، تبقى بعض العوائق البيروقراطية والإجرائية أمام عودة أعداد أكبر من المواطنين من أصول روسية إلى وطنهم، بحسب أرتيوم، وهو شاب مقيم في روسيا، يسعى إلى لم شمل أسرته من خلال تسوية أوضاع والده الذي يحمل الجنسية المولدوفية، لكن من دون جدوى. ويقول أرتيوم لـ "العربي الجديد": "منذ نحو 20 عاماً، يقيم والدي ويعمل في روسيا بشكل غير رسمي في أعمال موسمية، ثم يعود إلى مولدوفا بعد بضعة أشهر. وعندما قررنا التقدم إلى برنامج عودة المواطنين، اكتشفنا أنه لا يمكن تسوية الوضع في روسيا، ويشترط أن يكون تقديم الأوراق عن طريق القنصلية الروسية في مولدوفا فقط، كما لا تتوفر معلومات كافية حول كيفية إتمام هذه الإجراءات ويصعب الحصول عليها من الجهات المعنية الروسية".

ووسط إدراك السلطات الروسية أن الوافدين من أصول روسية سيكونون أكثر قدرة على الاندماج في المجتمع، وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي على مرسوم "رؤية سياسات لدولة روسيا الاتحادية في مجال الهجرة لأعوام 2019 ــ 2025".

وبحسب نص المرسوم الذي نشر على الموقع الرسمي للكرملين، فإن أكثر من مليون شخص حصلوا على الجنسية الروسية ما بين عامي 2012 و2017، 525 ألفاً منهم في إطار برنامج دعم عودة المواطنين، في وقت أتاح تدفق الوافدين تعويض تراجع السكان بسبب انخفاض عدد المواليد، ما يشكل مصدراً لأياد عاملة إضافية مفيدة للاقتصاد الوطني.



وفي كلمة أمام المنتدى العالمي للمغتربين، يؤكد بوتين أن الرؤية الجديدة تستهدف "خلق الظروف المؤاتية لانتقال المواطنين من الخارج إلى روسيا للإقامة الدائمة، ووضع قواعد واضحة للحصول على حق الإقامة والعمل والجنسية الروسية".

يذكر أن جذور المهجر الروسي تعود إلى ثورة البلاشفة عام 1917 التي دفعت بعدد من النبلاء الروس إلى مغادرة البلاد. وبعد تفكك الاتحاد السوفييتي عام 1991، وجد ملايين الروس أنفسهم خارج حدود روسيا السوفييتية. ثم جاءت الموجة الكبرى من الهجرة تزامناً مع فترة الاضطرابات والتحولات وتردي الأوضاع الاقتصادية التي عاشتها البلاد في تسعينيات القرن الماضي. كذلك أثرت العوامل الاقتصادية على الجيل الشاب من المهاجرين في القرن الحالي.