حاجة إلى صيف

حاجة إلى صيف

29 يناير 2019
تحذير (العربي الجديد)
+ الخط -
السبت الماضي، على امتداد شاطئ العاصمة اللبنانية بيروت، بقسميه الصخري والرملي، وعند كورنيشه المرافق له من عين المريسة شمالاً إلى الرملة البيضاء جنوباً، كانت فرصة "صيفية" مميزة لكثير من الناس، للتنزه والسباحة والغطس، وإن في منتصف فصل الشتاء.

الشمس كانت ساطعة ودرجة الحرارة تجاوزت العشرين مئوية، مع أجواء صافية في يوم يحظى فيه قسم من اللبنانيين بإجازة أسبوعية إلى جانب يوم الأحد. هي أجواء تعقب عواصف وصقيعاً وكوارث في البنية التحتية وعلى الطرقات، وتسبق أسبوعاً ماطراً موعوداً.

عند الرملة البيضاء، لم يكترث البعض بالتحذيرات من مياه الشاطئ الرملي الأكبر في بيروت، الذي سُلب جزء منه لصالح مستثمر من القطاع الخاص من دون أن يفتح أحد فمه للدفاع عن الشاطئ، بل ينتظر الجميع اليوم الذي سيُسلب بأكمله كحال كلّ شيء آخر في بلاد معروفة بفسادها بشهادة الداخل والخارج، سواء من منظمات المجتمع المدني والأفراد والمنظمات والبرامج الدولية المعنية بمكافحة الفساد، أو من السياسيين أنفسهم، وهم الفاسدون، عندما يختلفون على سرقة فيفتحون ملفات بعضهم البعض.

مرتادو الشاطئ لا يكترثون بالتحذيرات، لأنها معتادة حول تلوث بنسبة مرتفعة جداً في المياه، وهم في الوقت نفسه أيضاً معتادون الخوض في هذه المياه، ولا مكان آخر يذهبون إليه أساساً. هم يبحثون عن مكان يمضون فيه وقتهم ويروّحون عن أنفسهم هرباً من البطالة والجيوب الفارغة والأجواء السياسية والاجتماعية المتفاقمة، وكذلك المستقبل القاتم المجهول بما يخفيه من مصائب ومصاعب إضافية حتماً... فهذا هو الدأب، ونسبة الطموح إلى الفرج الموعود ضئيلة جداً. هنا يجدون الرمل والبحر ويغرقون فيهما بكلّ مشاعرهم، ويعيشون لحظات انسلاخ عمّا يعيشون في وطنهم، فما همّهم إن كانت المياه ملوثة والشاطئ غير نظيف؟




تشبه هذه التحذيرات تحذيرات أخرى من مضارّ التدخين، لا تستهدف أسباب التدخين أساساً. تشبه أيضاً تلك التي تنصح فقيراً جائعاً بانتقاء طعام صحّي ليس قادراً على تأمينه في الأصل، بل يكتفي بما يتمكن من تأمينه كي يستمر في الحياة لا أكثر ربما. تلك التحذيرات هي من النوع الذي يحصر الخطأ في الفرد، لا في المنظومة التاريخية الاجتماعية التي تحكمه، فكأنّه إن تمكن من الحصول على طعام أفضل فسيرميه ويأكل الطعام الذي يهدد صحته، وكأنّ أولئك لو وجدوا مياهاً نظيفة لنفروا منها وذهبوا إلى المياه المختلطة بالأقذار!

كان السبت يوماً صيفياً يحتاج إليه كثيرون في عزّ الشتاء، لكنّ الحاجة أكبر بكثير إلى صيف يكسر هيمنة غيوم الفساد الثقيلة في السلطة اللبنانية، وإن لفترة سنوية تدخل فيها أشعة الشمس إلى أعماق الملفات الأكثر تعفناً.

المساهمون