عندما نجت قرية المغيّر الفلسطينية من مجزرة إسرائيلية

عندما نجت قرية المغيّر الفلسطينية من مجزرة إسرائيلية

28 يناير 2019
هكذا بدا المشهد في المغيّر (عباس المومني/ فرانس برس)
+ الخط -

كاد أن يكون مصير عائلة الحاج موسى أبو عليا من قرية المغيّر الواقعة إلى شمال شرق رام الله، وسط الضفة الغربية المحتلة، مماثلاً لمصير عائلة دوابشة في قرية دوما الواقعة إلى جنوب نابلس، شماليّ الضفة، التي أحرقها مستوطنون قبل نحو أربعة أعوام.

أوّل من أمس، السبت، هاجم عشرات المستوطنين منزل الحاج أبو عليا ومنازل أبنائه الثلاثة الواقعة في المنطقة الشمالية من قرية المغيّر المحاذية لمستوطنة "عادي عاد". المنطقة حيث تقع منازل عائلة أبو عليا لا تبعد كثيراً عن قرية دوما، بل تقع في شارع يؤدّي إلى تلك قرية دوما. وهو ما يدعو أكثر إلى استحضار إحراق المستوطنين أفراداً من عائلة دوابشة وهم أحياء بعد شنّهم هجوماً على منزلهم في يوليو/ تموز من عام 2015، استشهد على أثره سعد دوابشة وزوجته ريهام وطفلهما الرضيع علي، في حين أصيب الابن أحمد (أربعة أعوام حينها) بحروق بالغة.

يقول الحاج أبو عليا لـ"العربي الجديد"، إنه "عندما هاجمنا المستوطنون خشينا من أن نلقى مصير عائلة دوابشة نفسه، فيحرقوننا. لكنّ الأهالي تدخّلوا، ما حال دون ذلك". ويعبّر عن خشيته من "إمكانية عودة المستوطنين مرّة أخرى والاعتداء على عائلتي مجدداً"، مضيفاً أنّ المنازل أخليت كلّها بعد ذلك، ولم يبقَ سواه وزوجته. ويخبر الحاج أبو عليا أنه بقي مع أحفاده وزوجته وزوجات أبنائه، "محاصَرين لمدّة أربع ساعات من عشرات المستوطنين، الذين طوّقوا المنطقة على بعد 20 متراً فقط منا، وهاجموا منازلنا بالرصاص الحيّ. وقد اضطررنا إلى طلب النجدة من أهالي المغيّر". ويصف ما حدث بأنه كان "صعباً وقاسياً ومرعباً".

ويوضح رئيس المجلس القروي في المغيّر أمين أبو عليا لـ"العربي الجديد"، أنّ "أهالي المغيّر ومعهم أهالي القرى المجاورة، ترمسعيا وأبو فلاح وكفر مالك، احتشدوا في ذلك الحين بعدما لبّوا نداءً أُطلق عبر مكبّرات الصوت لصدّ هجوم المستوطنين، لكنّ هؤلاء راحوا يطلقون الرصاص الحيّ صوبهم عشوائياً بالتزامن مع إطلاق قوات الاحتلال قنابل الصوت وكذلك الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي". يضيف أن ذلك أدّى إلى "استشهاد الأسير المحرر حمدي طالب سعادة نعسان (37 عاماً) الذي أصيب في صدره، في حين تعرّض عشرات إلى إصابات من جرّاء الرصاص الحيّ والمطاطيّ، وسط حالات اختناق عولجت بمعظمها ميدانياً. وقد نُقل أكثر من عشرة مصابين إلى المستشفيات لتلقي العلاج". يُذكر أنّ الأهالي اضطروا إلى نقل المصابين بمركباتهم الخاصة إلى المستشفيات لتأخّر سيارات الإسعاف.




في مجمّع فلسطين الطبّي بمدينة رام الله، التقت "العربي الجديد" عدداً من المصابين الذين نقلوا إليه لتلقّي العلاج، والذين كانت الدماء تلطّخ ملابسهم كشاهد على تصدّيهم للمستوطنين. وقد ملأ الأهالي باحة مجمّع فلسطين الطبّي، بينما علا البكاء على الشهيد النعسان. تجدر الإشارة إلى أنّ النعسان كان قد أمضى نحو ثمانية أعوام في سجون الاحتلال، وهو متزوّج وأب لأربعة أطفال أصغرهم لم يبلغ عامه الأول. وهو لبّى النداء لصدّ الهجوم كغيره من الأهالي.

يقول منير أبو عليا، وهو من مصابي قرية المغيّر لـ"العربي الجديد": "خرجت مسرعاً بعدما سمعت النداء، لكنّ عشرات المستوطنين كانوا يطلقون الرصاص الحيّ عشوائياً. فأصبت في فخذي اليمنى". ويشير إلى أنّ "المستوطنين كانوا يقصدون القتل ليخيفوا الأهالي. والشهيد حمدي لم يكن يبعد عنّي إلا عشرة أمتار، وربّما كنتُ لأشهد مصيراً مماثلاً". أمّا هاني عباس الزهور المصاب من قرية أبو فلاح المجاورة، فيخبر "العربي الجديد": "راحت مكبّرات الصوت تنادي لصدّ هجوم المستوطنين. خرجت مع الآخرين وكان الشبان يرشقون هؤلاء وقوات الاحتلال بالحجارة. فجأة، بدأ المستوطنون بإطلاق الرصاص الحيّ كيفما اتفق صوبنا، فأصابت رصاصة رأسي من الخارج". من جهته، يشير رفيق أبو عليا الذي كان من بين الحشود لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "الأهالي هبّوا لصدّ الهجوم وإنقاذ صاحب المنزل والدفاع عن عائلته، خصوصاً أنّ المستوطنين راحوا يطلقون الرصاص صوب المنازل والعائلات في داخلها".

وفي تفاصيل ما جرى، بحسب ما يفيد رئيس المجلس القروي في المغيّر أمين أبو عليا، فإنّ "مستوطنين هاجموا مزارعين فلسطينيين ظهر السبت الماضي، عندما كانوا يعملون في أرض قريبة من مستوطنة عادي عاد، وخرّبوا إطارات جرّار زراعي لهم. وبعد نحو ساعة، اقتحم ستة مسلّحين منهم المنطقة من جديد، وهاجموا بالرصاص الحيّ منزل عائلة الحاج أبو عليا ومنازل أبنائه الثلاثة. فاستنجد بالأهالي الذين هبّوا للدفاع عنه وإنقاذ العائلات المحاصرة، لكنّ عدداً أكبر من المستوطنين هاجموا الأهالي وأطلقوا الرصاص الحيّ صوبهم وسط حماية من قوات الاحتلال". ويدعو إلى "ضرورة العمل الجادّ من أجل حماية المغيّر وتعزيز صمود الأهالي فيها وصدّ اعتداءات المستوطنين".



ويشير الناشط في المغيّر كاظم الحج محمد لـ"العربي الجديد"، إلى أنّه "عند حلول المساء، انسحب المستوطنون وعزّزت قوات الاحتلال وجودها في شوارع المغيّر الرئيسية، في حين راحت تندلع مواجهات هناك بين قوات الاحتلال والشبان الذين أشعلوا إطارات مطاطية في الشوارع تعبيراً عن غضبهم". يُذكر أن الأهالي شيّعوا أمس الأحد جثمان الشهيد حمدي نعسان بمشاركة شعبية وفصائلية ورسمية. وهؤلاء الأهالي يخشون من أن يحوّل الاحتلال الإسرائيلي معسكراً لقواته أقامه في المنطقة في سبعينيات القرن الماضي إلى مستوطنة جديدة، لذا ينظّمون مع عدد من الناشطين منذ العام الماضي فعاليات أسبوعية رافضة.