الثورة في عيون أطفالها

الثورة في عيون أطفالها

25 يناير 2019
هل تغيرت نظرته؟ (كريس هوندروس/ Getty)
+ الخط -

مضت على 25 يناير 2011 ثماني سنوات، ومن كانوا صغاراً باتوا اليوم يحملون ذكريات نابضة عنها، ويحنّون إلى شعاراتها، لكن هل ما زالوا يؤمنون بإمكانية التغيير؟

علي ويوسف وعبد الرحمن، أصدقاء ثلاثة، وهم أيضاً أبناء خالات. كانوا في تجمع عائلي يوم الجمعة، 28 يناير/ كانون الثاني 2011، كما هو متبع منذ صغرهم. وكانت الأمهات منهمكات في الإعداد للوليمة، والأبناء جالسون أمام شاشات التلفزيون يتابعون أخبار التظاهرات. لم تكن الأخبار حقيقية بالكامل، إذ سمعوا الحقيقة بأنفسهم عبر هتاف جاء من بعيد: "عيش... حرية... عدالة اجتماعية"، وأخذ الصوت يقترب أكثر فأكثر، حتى تيقن الثلاثة، علي، الذي كان في السادسة عشرة، ويوسف، الذي كان في الخامسة عشرة، وعبد الرحمن، الذي كان في الثالثة عشرة، أنّ تظاهرة تمرّ في الشارع.

يتذكر عبد الرحمن، أصغرهم: "نزلت بشبشب (حذاء) البيت. الجو كان بارداً جداً لكنّ التظاهرة كانت حماسية. أحسسنا أنّ الناس في الشارع كانوا ينادون علينا أن ننزل". بالفعل كانت التظاهرات تنادي "انزل يا مصري" و"انزل... انزل". ظل الثلاثة يسيرون مع التظاهرة التي لحقوا بها في شارع الخليفة المأمون بمصر الجديدة، واستمروا في المسير معها حتى مشارف العباسية، التي تبعد عدة كيلومترات عن بيوتهم، حيث قطعت طريقهم قوات الأمن والمدرعات وأجبرت المسيرة على التبعثر. تفرّق الأصدقاء من جراء قنابل الغاز المسيل للدموع، وعمليات الكرّ والفرّ، وعاد كلّ منهم بمفرده إلى التجمع العائلي.

على مدار أيام ثورة يناير الثمانية عشر، حرص الثلاثة على النزول إلى ميدان التحرير، والمشاركة في المسيرات التي نظمت لاحقاً في أيام الثلاثاء والجمعة. اليوم. بعد مرور ثماني سنوات على اندلاع الثورة، أصبح علي مهندساً يسعى للهجرة، وما زال عبد الرحمن يدرس في الجامعة، بينما خرج يوسف من المعتقل حديثاً على خلفية معارضته للنظام الحالي، وها هو اليوم من دون عمل. لم يعد أيّ منهم يشعر بأيّ نتيجة لثورة 25 يناير، بل يؤكدون: "لو اشتعلت الثورة مجدداً لن نشارك".

ماذا يحمل من ذكريات؟ (إلفيس باروكسيتش/ فرانس برس)


حال علي ويوسف وعبد الرحمن، لا يختلف كثيراً عن أحوال معظم أطفال ذلك الوقت ممن حضروا الثورة ولم يتمكنوا من المشاركة الجادة فيها نظراً لحداثة سنهم. أغلبهم اليوم محبط ويائس. يتذكر عمر، الذي شارك في الثورة قبل تنحي الرئيس السابق حسني مبارك، بعدة أيام: "أهلي كانوا خائفين عليّ، وفي الوقت نفسه كانوا يريدون أن يشجعوني. بعدما اطمأنوا لعدم وجود اشتباكات، وإلى أنّ الدنيا أمان، سمحوا لي بالنزول، بل نزلوا معي إلى الميدان لمزيد من الاطمئنان".

كان عمر في السادسة عشرة يومها، يقول: "في ذلك الوقت لم أكن مدركاً للوضع بأبعاده السياسية والاجتماعية، لكنّي بدأت أفهم ممّن هم حولي، وكنت متحمساً لفكرة التغيير عموماً وأحببت المشاركة فيها. كنت أتمنى أن نرى البلد مختلفاً وأفضل، وكنت متحمساً لنجاح الثورة". يضيف عبد الرحمن: "سواء كنت كبيراً عندها أم صغيراً، المهم أنّي كنت هناك، وأفهم مشاعر الأمل والحماسة والتغيير، والمعنى الحقيقي للحدث".

اليوم، يعتبر عبد الرحمن أنّ "الثورة ماضٍ حلو عشناه، وانتهى. ولا أعتقد أنّي سأشارك في المستقبل في أيّ تحرك بدافع التغيير". يستدرك: "لا أعرف... بحسب الظروف، إذ ربما تكون المشاعر مختلفة وتشجعني على المشاركة. في الوقت الحالي أرى أن لا جدوى من المشاركة في أيّ شيء".



أما رنا محمد، فقد كانت في الصف الثانوي الثاني، أثناء اندلاع الثورة. لكن ليست الدراسة فقط هي التي منعتها من المشاركة في التظاهرات والأحداث، بل منعها أهلها، فوالدها ضابط في الجيش المصري. تحكي رنا: "كنت أتمنى المشاركة. كنت أبكي في البيت كي يسمحوا لي بالنزول إلى الشارع، لكنّهم أخافوني إذ قالوا: ستضرّين بوالدك". كانت رنا تتمنى لو كانت أكبر سناً، لتتمكن من التصرف بحرية أكبر دون الرضوخ لوصاية أهلها: "حتى الآن، أستمع بنهم واهتمام شديد لكلّ من يحكي عن مشاركته في الثورة. أتمنى لو كانت لديّ ذكريات عن الثورة مثلهم". لكنّ رنا مختلفة عن غيرها، إذ لا يمثل لها النظام الحالي أزمة على أيّ صعيد: "أبي ضابط جيش، ويقول لنا إنّ هذا أفضل سيناريو كان من الممكن أن يحصل بعد يناير".

ريهام، كانت قد تجاوزت طفولتها للتوّ في يناير 2011، إذ كانت قد التحقت بالجامعة في ذلك العام الدراسي، وبذلك كانت أوفر حظاً من رنا، تقول: "كنت أهرب من المحاضرات وأنزل إلى ميدان التحرير. لم أشارك في أيّ مسيرات أو تظاهرات. لكن كنت أنزل إلى الميدان للاستطلاع". واليوم، ترى ريهام أنّ "من شارك في الثورة مثل من لم يشارك. كلنا في الهمّ سواسية... ولم نأخذ من الثورة إلّا من مات من الشباب وضاع دمه هباء".