خيّ

خيّ

03 يناير 2019
ولّت 2018 (سكوت بربور/ Getty)
+ الخط -

"صباح الخير... صباح النور"، "مرحبا... أهلين، أهلا وسهلا، يا هلا"، "بونجور... بونجورَين" عبارات تحيّة بعضها عربي وبعضها مستعرب تشترك فيها لهجات عدّة، لعلّ أبرزها اللبنانية والسورية. كلّ منها يحاول أن يردّ التحية بأحسن منها، كما تقول الآية، وإن لم تتّخذ تحيّة الإسلام المعتادة التي من أجلها تنزلت الآية: "السلام عليكم... وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته".

عبارات نستخدمها يومياً، بشكل تلقائي تربّت عقولنا عليه، فجعلت تردّ على الحسنة بالحسنة وعلى السيئة بالسيئة، مع الاستثناءات المعتادة التي تدخل في إطار الحلم الذي لا يتمكن كثيرون من الوصول إليه في حالة الردّ على السيئة بالحسنة، أو حتى الصمت عن الردّ والاحتفاظ به، لا عن جبن - وهو وارد أيضاً في مقام آخر - لكن عن حلم هدفه منع الوصول إلى غضب وخصام.

دعونا من العبارات السيئة، فلهجاتنا تمتلئ بكثير منها، ولعلّنا نسمعها يومياً في الشوارع ومن شاشات التلفزيون وحتى في المؤسسات التعليمية، وباتت ترد إلينا كتابة وصوتاً من خلال وسائل التواصل الاجتماعي في تعبيرات عفوية تملك قاموساً ضعيفاً من العبارات المحترمة، وتحترف في المقابل مهنة الغوص في الكلمات والعبارات البذيئة في كلّ اتجاه. فلنلتزم بدلاً منها العبارات ذات الوقع الحسن أكانت موجهة إلى الآخرين أم تخرج من الذات للتعبير عن حالة مفاجأتنا بحدث معيّن يمكن أن نكتشف مباشرة ما الذي هو عليه لدى غيرنا، إذ نسمع العبارة وطريقة لفظها أو وقعها وشدّتها. فالخوف نعبّر عنه بعبارات مختلفة، منها ما هو ديني يحاول الاستغاثة بالله أو بأنبيائه وأوليائه وآياته: "بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الصليب، يا عدرا (مريم العذراء)"، ومنها ما يلتجئ إلى الفطرة الأولى: "يا ماما، يا إمّي".

المميّز أنّ الالتجاء إلى الأمّ في حالة الخوف، يقابله الزهّو بالأب في حالة التعظيم: "يا بيّي، أو يا أبي ما أكبره". لكنّ التعظيم يمتد إلى الله ونبيه والأولياء والقديسين أيضاً: "يا ربّاه، يا محمّد العربي، يا إمام علي، يا مار جريس (القديس جرجس؛ رمز بيروت)"، ويصل إلى عبارات تستخدم في الأصل للندبة لكنّها محوّرة إلى التعظيم بحسب نبرة الصوت: "يا ويلاه، يا ويلي".

تبقى الإشارة في مساحتنا الصغيرة هنا، إلى عبارات الاستحسان التي نستخدمها مع رؤية مشهد جميل أمامنا من شخص أو طبيعة: "يا سلام". والسلام هو ما تسكن إليه النفس في أمنها وأمانها وسكينتها، وهو التوافق والتواؤم مع الآخرين في السلام عليهم، والسلام أيضاً هو الله، وهو الذي نقرنه بحرف النداء أيضاً في استحساننا: "يا الله ما أجملها".




ومن أجمل عبارات الاستحسان أيضاً، تلك التي تلهج بها ألسنتنا وحدها عندما نشعر بالراحة والارتواء: "خيّ" وهو الأخ الذي هو بمثابة روحنا في بعض مقولات التراث، فما أجملها من راحة أن نتخفف من عام كئيب ونستقبل عاماً جديداً بكلّ تفاؤل: "خيّ... انتهت 2018".

المساهمون