في بلاد البوعزيزي

في بلاد البوعزيزي

18 يناير 2019
في سيدي بوزيد (ياسين قايدي/ الأناضول)
+ الخط -
تبين أن الفتاة الثلاثينية التي فجرت نفسها مؤخراً في شارع بورقيبة، ما أدى إلى إصابة أكثر من عشرين شخصاً معظمهم من رجال الشرطة هي خريجة جامعية. درست الفتاة الأدب الانكليزي، وأقنعت والديها بأنها ذاهبة إلى تونس العاصمة لتبحث عن عمل. هذا فقط ما ذكرته الأنباء. لم تنشر تفاصيل تتعلق بحياتها العائلية وظروف بطالتها وأوضاعها الشخصية التي دفعتها إلى ارتكاب فعل تعرف أن تأثيراته تتعداها إلى بلادها الغارقة في الفوضى السياسية وصراعاتها.

من باب الشيء بالشيء يذكر، نشير بعد هذه المقدمة إلى أن في تونس 600 ألف تونسي عاطل عن العمل، الخريجون منهم 240 ألفاً أنجزوا دراساتهم في الكليات ومعاهد التعليم العالي، ما يعني أن قرابة 40 في المائة من عدد العاطلين من العمل هم من الجامعيين الذين يتخرج سنوياً منهم أكثر من 60 ألفاً. وبحساب بسيط يتبين أن خريجي أربع سنوات بالكامل لم يعثروا على عمل. أما العاملون فالكثيرون منهم يعملون بوظائف دونية، أي أنهم يشتغلون في المقاهي ومحال تجارة الألبسة ومحال بيع التجزئة. على أن هؤلاء لا يتوزعون على الاختصاصات بالتساوي، فالأقل حظاً في الحصول على العمل هم خريجو كليات الآداب والعلوم الإنسانية واللغات. أما خريجو الهندسة والصحة والطب والعلوم فأقل بطالة، وإن كان الكثيرون منهم يعجزون عن فتح عيادة أو مكتب هندسي أو تأمين صيدلية وما شابه ما دام الاقتصاد برمته يعاني التراجع.

وتبعاً لتقرير وضعه البنك الدولي، ظهر أن السبب وراء البطالة المتفشية هو عدم ملاءمة تأهيل الجامعات لخريجيها بما يتناسب مع فرص العمل المتاحة في السوق، وضعف القيمة المضافة للأنشطة الاقتصادية في البلاد وانغلاق اقتصادها على الخارج وتراجع قطاع السياحة. كل هذا جعل القطاع العام هو المصدر الوحيد للتوظيف. ومن المعروف أن القطاع العام مهما كانت درجة استعداده لتلبية الطلبات والضغوط التي تنهال عليه ليس باستطاعته توفير الوظائف لا للخريجين الجامعيين ولا للمهنيين ولا للعمال غير المؤهلين. أما شركات القطاع الخاص فهي تحصد ثمرة الاضطراب السياسي في الداخل، وعلى شكل أخطر في الإقليم . فقد خسر التونسيون حوالي مليون وظيفة جرّاء أحداث ليبيا، فضلاً عن الآثار السلبية الأخرى على بلادهم نتيجة تدفق اللاجئين والضغط على الخدمات العامة والسكن وغيرها. وبالنظر إلى تكامل إقفال الحلقة التي تحيط بالوضع، ترتفع نسبة البطالة تباعاً عاماً بعد آخر. ففي العام 2010 كانت النسبة الإجمالية هي 13 في المائة أما في العام 2018 فقد وصلت إلى 15 في المائة والرقم مرشح للارتفاع في العام 2019 إلى حدود 17في المائة على الأقل.




على أن التأثيرات السلبية تشمل الاتحاد الأوروبي الذي يعاني من حالة ركود كونه شريكاً للاقتصاد التونسي، إذ هناك العديد من الشركاء الأوروبيين في مصانع الألبسة الجاهزة والأثاث والتصدير وما شابه. وقد قاد مثل هذا الوضع إلى تفاقم البطالة. أي أن أسباباً خارجية على الضفة الأخرى للمتوسط ساهمت برفع منسوب الأزمة في البلاد. وهو ما يطرح أسئلته على مؤسسات التعليم والسلطات السياسية، إذ المعروف أن ما شهدته تونس من "ثورة الياسمين" كان في الجزء الأساسي منه يعود إلى حال البطالة وليس فقط لتكلس المؤسسات السياسية.

*باحث وأكاديمي

المساهمون