"طوبة"... كابوس الفقراء في مصر

"طوبة"... كابوس الفقراء في مصر

15 يناير 2019
لا يملك ثمن حذاء (فايد الجزيري/ Getty)
+ الخط -


خلال فصل الشتاء، وتحديداً شهر "طوبة"، يشتدّ البرد، ما يُفاقم معاناة الفقراء في مصر الذين لا يستطيعون شراء ثياب مناسبة للدفء وغيرها، ما يجعلهم عرضة للإصابة بالأمراض وغيرها من المشاكل.

تعدّ "طوبة" التي بدأت رسمياً يوم الأحد الماضي وتستمر حتى السابع من فبراير/ شباط المقبل، إحدى أكثر فترات الشتاء برودة وصقيعاً في مصر... "طوبة أبو البرد والعقوبة". ويخشى ملايين المصريين، خصوصاً الفقراء منهم، هذه الفترة بسبب برودتها الشديدة، في ظل قلة الإمكانات المتوفرة وعدم قدرتهم على شراء الملابس السميكة لمواجهة البرد، حتى إن البعض يلجأ إلى البقاء في البيت، خصوصاً في القرى والأرياف، حيث البيوت مبنية من الطين والأحجار، آملين أن ينتهي فصل الشتاء بأقلّ خسائر ممكنة.

شهدت بداية طوبة عواصف ثلجية في بعض المناطق الساحلية وشمال مصر، أدت إلى تعطل الأعمال، خصوصاً مهن الصيد في محافظة كفر الشيخ. ولجأ الفقراء إلى جمع الحطب و"وابور الجاز" علهم يتدفأون داخل منازلهم، ليحتموا من لسعات البرد القارسة، على عكس الأغنياء القادرين على شراء ملابس تحميهم من البرد، والوجود حول المدافئ الكهربائية وغيرها من وسائل التدفئة. ويواجه المواطنون من محدودي الدخل، خصوصاً ربات البيوت وأولياء الأمور، صعوبة في تدبّر أمور الحياة اليومية، خصوصاً أن بدء العام الدراسي والأعياد وغيرها أفرغت جيوبهم، في ظل ارتفاع معدلات الفقر والبطالة.

وعادة ما يتناول الفقراء العدس يومياً، ويطلق عليه البعض "لحم الفقراء"، إذ يمنحهم الدفء. ولا يخلو بيت منه في فصل الشتاء، خصوصاً أن كلفته بسيطة، إضافة إلى مأكولات أخرى مثل حمص الشام والفول النابت والبطاطس المشوية والفاكهة، والمشروبات الساخنة مثل السحلب واليانسون والشاي.




كثيراً ما يصاب الفقراء بالأمراض خلال فصل الشتاء، مثل نزلات البرد وآلام الأذن والربو والحساسية وأمراض الرئة والتهاب المفاصل وغيرها. وفي ظل عجز الفقراء عن التوجه إلى العيادات الخاصة، مع ارتفاع كلفة "فيزتا الأطباء" (زيارة الأطباء) إلى أرقام خيالية، وعدم الاهتمام من قبل الحكومة بالمستشفيات الحكومية، لجأ عدد من محدودي الدخل والفقراء إلى الاعتماد على وصفات أصحاب الصيدليات. هكذا، يشترون الأدوية بناء على نصائحهم. ويكفي أن يطّلع الصيدلي على حالة المريض ويسمع معاناته ليعطيه الدواء المناسب، بحسب وجهة نظره. ووصل الأمر بالبعض إلى التوجه إلى محال الأعشاب والعطارة، من دون أي اكتراث بالأمراض التي يمكن أن تسببها تلك الأدوية، بهدف الحد من نفقات العلاج.

مع ارتفاع أسعار الملابس في مصر، خصوصاً "الملابس الشتوية"، انتشر "بيزنس البالات"، وهي ملابس تستورد من الدول الأجنبية، خصوصاً الأوروبية، والعربية، وتباع في مختلف الأسواق في المحافظات. وتعدّ تلك الأسواق المتنفس الوحيد للفقراء، وتختلف جودتها من سوق إلى آخر. ويلجأ بعض المواطنين، خصوصاً البسطاء، إلى شراء ملابس البالات المستعملة.

إلى ذلك، يعاني أطفال الشوارع الأمرّين خلال فصل الشتاء، وقد تؤدي بهم الظروف الصعبة إلى الموت من دون أن يدري أحد بهم، عدا عن معاناتهم من مشاكل نفسية. وتنتشر بينهم أمراض الجهاز التنفسي والكلى. وفي كثير من الأحيان، لا يكون لدى هؤلاء الأطفال مأوى، ما قد يتسبب في انتقال تلك الأمراض. وينقسم الأطفال إلى فئات مختلفة، إما باعة متجوّلون يحملون عدداً من المناديل الورقية، أو مشردون يتسوّلون طلباً للمال. وتعمد بعض الجمعيات الأهلية إلى مساعدة الفئات الفقيرة لمواجهة برودة الطقس، من خلال توفير أغطية تمكّنهم من تحمل تلك الأيام الصعبة. وتُطالب بعض الجهات المصرية بضرورة التحرك من أجل توفير ملاجئ تليق بهم وتحميهم من برودة الجو، حتى لا يفقدوا الثقة بالمجتمع.




ويشير الخبير في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية سيد إمام إلى أن أوضاع الفقراء تزداد سوءاً خلال فصل الشتاء، بمن فيهم أطفال الشوارع، مشيراً إلى أن الجمعيات لا تستطيع مواجهة هذا الكمّ الهائل من الأوضاع المتردية في البلاد. يضيف أن بعض الناس يعيشون في أكواخ تُغرقها الأمطار، وهم عرضة للدغات العقارب والثعابين. ويطالب بضرورة توفير علاجات لبعض الفقراء والأشخاص ذوي الإعاقة بسبب الغلاء. ويقول إنه يتوجب على الدولة التدخل للحد من معاناة الفقراء في فصل الشتاء، وعدم الاتكال على الجمعيات الخيرية. يضيف أن الدولة أصبحت في حالة لامبالاة، واعتمدت على الجمعيات فقط للوصول إلى الفقراء. ويوضح أن ما تفعله الجمعيات وأهل الخير جيد، لكن يجب أن يكون هناك دور أكبر للدولة، خصوصاً وأن الفقراء يسألون عن دور الدولة في ظل الأوضاع الاجتماعية الصعبة التي يعيشونها. ويلفت إلى أن الفقراء يعانون كثيراً من جرّاء إصابتهم بالأمراض خلال فصل الشتاء وعجزهم عن التوجه إلى أطباء. لذلك، على الحكومة مراعاة تلك الطبقة الفقيرة، وتوفير الملابس والغطاء والأدوية لهم من أجل حمايتهم في هذه الفترة من السنة.