حصون لبنانية

حصون لبنانية

13 يناير 2019
من المشاهد المعتادة أيضاً بلبنان (عامر غزال/ فرانس برس)
+ الخط -

منذ بداية السنة الجديدة، ابتليت مناطق لبنانية عديدة بنزاعات أهلية واختلالات أمنية. ليس في المسألة زيادة أو نقصان، فمثل هذه المشاكل قائمة في لبنان منذ ولد في أعقاب الحرب العالمية الأولى.

ليست المشاكل الأهلية مذهبية بالضرورة، بل تمتد إلى الحزبية والمناطقية والعشائرية والنفعية، بل تدخل في البيوت نفسها والعائلات في كياناتها الأصغر. وليست الاحتجاجات ضد هيكلية الدولة، بأجهزتها المختلفة عسكرية وأمنية وإدارية، طارئة، بل على العكس ربما تشهد تراجعاً في حدّتها في أيامنا هذه، إذ باتت الاحتجاجات الاجتماعية المطلبية منذ سنوات عديدة تخضع لإرادة زعماء الطوائف، يديرونها بحسب مصالحهم، ويصطفّون معها ويقودونها إذا لاءمتهم، ويخوّنونها إذا سارت - آنيّاً - عكس تيارهم.

نوعياً أيضاً، ليس التضارب بين محتجين مدنيين وعناصر جهاز أمني أو عسكري جديداً، وفي المقابل، اعتاد الأمن والعسكر القمع بعنف، فهذا دأبهم. ولا يشذّ خطف مواطن في وضح النهار، وإتمام العملية بنظافة تامّة ومن دون أيّ رادع أمني في محلة، وإطلاق مواطن النار من رشاش حربي ترهيباً لمواطنين آخرين، وإتمامه العملية أيضاً من دون أيّ رادع في محلة أخرى، عن الأوضاع في لبنان الذي يشهد فلتاناً أمنياً بالتوازي مع الأمن المستتب. هي معضلة تعجز العقول غير المدركة لأساليب تشكيل الحكومات، وتعيين مناصب الدرجات الأولى في الإدارات العامة، واستدراج العروض وتلزيم مشاريع القطاع العام، بل حتى تطويع الأفراد والرتباء في الأجهزة الأمنية، عن إدراكها. وتعجز من ثم، عن إدراك طبيعة الشارع اللبناني الذي فيه أكثر من جهة أمنية تسير بالتوازي، فطلب الخوّة (الابتزاز المالي بذريعة الحماية) من المحالّ التجارية قائم تحت عيون تلك الجهات، وبأكثر من أسلوب ودافع منها ما يدخل في إطار التبرع، لكن الويل لك إذا لم تتبرع.

اقــرأ أيضاً


لم تصل المسألة إلى مستوى الظاهرة في التعريف السوسيولوجي، فكثيرون أيضاً في لبنان غير مشتركين في مثل هذه النشاطات، ولم يُفرض الظاهر منها عليهم، لكنّها حالات عديدة لا تثير غرابة المواطن. وإن أثارته فسيكون ذلك في اللحظة الأولى بعد مشاهدته مقطع فيديو أو صورة، وقراءته تعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي، وربما تعليقه أيضاً وإعادته إرسال المقاطع، لكنّه من بعدها يتابع حياته العادية، وربما ينتظر مقاطع جديدة للاستهلاك في يوم آخر.

هكذا لا ينفع أيّ تدبير أو تنظيم، فمثل تلك الحلول يتعامل مع سطح المسألة ويرمي المسؤوليات هنا وهناك على هذا الأساس. وعندما تمكن المواطنون من لمس تلك البنية يوماً ما، في النصف الأول من السبعينيات، قامت في وجههم حرب أهلية استمرت طويلاً، وأعادت تحصين المواقع التقليدية بحصون بات من شبه المستحيل اختراقها.

المساهمون