حافلات المسافرين والذكريات... على الطريق من فرنسا إلى المغرب

حافلات المسافرين والذكريات... حميمية على الطريق من فرنسا إلى المغرب

10 يناير 2019
حلٌّ توفيري (العربي الجديد)
+ الخط -

لكلّ شخص مزاجه الخاص في السفر، في حين أنّ الظروف تفرض أحياناً وسيلة نقل دون أخرى. كثيرون من مغاربة فرنسا، عند توجّههم إلى الوطن، يعمدون إلى الحافلات لأسباب تختلف طبيعتها

بين فرنسا والمغرب، ثمّة رحلات طيران "شارتر" (عارض)، إلا أنّ تكلفتها قد تكون باهظة في بعض الأحيان. ويجد المسافر نفسه في أوقات عدّة من العام غير قادر على تحمّل تلك التكلفة، لا سيّما إذا كان من أصحاب الدخل المحدود أو طالباً أو متقاعداً يتقاضى راتباً بخساً. فثمن تذكرة الذهاب من دون إياب، يرتفع من 70 يورو إلى 200 يورو وأكثر. بالتالي يلجأ كثيرون إلى البحث عن وسائل نقل أخرى. فتدخل الحافلات إلى الساحة.

لا تستغرق الرحلة الجوية أكثر من أربع ساعات من باريس إلى أقصى الجنوب المغربي، وأقلّ من ذلك إلى شماله، لكنّ للضرورة أحكامها، بحسب ما يؤكد كثيرون. ولأنّه لا بدّ للمسافر من الوصول إلى مقصده ولو طالت الرحلة، فإنّه يوافق على قضاء يومَين أو أكثر أحياناً، على متن حافلة من فرنسا إلى المغرب تعبر الأراضي الإسبانية قبل أن يجتاز مضيق جبل طارق على متن سفينة.



الحاجة سعيدة هادين مستقرّة في العاصمة الفرنسية، وهي تستخدم الحافلة في معظم رحلاتها إلى المغرب، منذ وصولها إلى فرنسا قبل ثلاثين عاماً. ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل ظلت وفيّة للشركة نفسها، على الرغم من أنّ كثيرين يفضّلون من حين إلى آخر الانتقال من شركة إلى أخرى، لعلّهم يوفّقون بتكلفة فضلى وتسهيلات أخرى. تقول: "لم أغيّر الشركة لأنّني أعرف السائقين بمعظمهم، وهم يعرفونني ويقدّرونني. معهم، أشعر بأنّني أسافر مع عائلتي. لذا لا أرغب في التعرّف إلى سائقين جدد". وتشير الحاجة إلى أنّهم "يتساهلون معي. أحياناً، أسدّد متأخّرة ما يتوجّب عليّ من تكاليف". وتؤكد الحاجة سعيدة هادين أنّها كثيراً ما تستعيد "الذكريات الطيّبة"، لافتة إلى "أشخاص تعرّفت إليهم على متن الحافلات وما زالوا أصدقاء. بعضهم صاروا أصدقاء العمر".

وتكاليف الرحلات بالحافلة لا تتجاوز 70 يورو لبطاقة السفر في معظم أيام العام، ويمكن شراء البطاقة أحياناً بستّين يورو أو خمسين. يُذكر أنّ التكلفة هي نفسها، سواءً في حال توقّف المسافر في مدينة طنجة (شمال) أو وصل إلى مدينة تيزنيت (جنوب). لكنّ أصحاب شركات السفر، وهم بغالبيتهم من الجنوب المغربي، ويُعرَفون بالصبر والجلد، يهدفون إلى تحقيق أرباح حتى لا تفلس مشاريعهم، وهو ما يدفعهم في فصل الصيف وفي مواسم الأعياد الدينية، لا سيّما شهر رمضان الذي يفضل كثيرون قضاءه في المغرب، إلى رفع ثمن التذاكر فتصل إلى 140 يورو أو 150. وهم يستفيدون من كثرة الطلب، وكذلك من اضطرار شركات الطيران إلى زيادة ثمن تذاكرها التي ترتفع أحياناً بنسب هائلة وتصل إلى 300 و500 في المائة.




هكذا، يجد المسافرون أنفسهم أمام هذا الحلّ الذي يُعَدّ توفيرياً، علماً أنّه يحقّ للشخص الواحد بحمل 30 كيلوغراماً معه، مجاناً. الحافلة أكثر حميمية، ليس فقط لسهولة التعرّف إلى كل الركاب خلافاً للطائرة، بل كذلك لأنّ المسافرين جميعهم من البلد نفسه ويتكلّمون اللغة نفسها، الأمر الذي يوفّر جواً عائلياً.

سعاد الهبطي طالبة جامعية لا تملك موارد مالية كبيرة، وتحاول الاقتصاد بقدر ما تستطيع حتى تسدّد بدلات السكن والنقل والطعام ورسوم التسجيل في الجامعة والضمان الاجتماعي. ولأنّ مصاريفها كثيرة، لا تجد ما يكفي من المال لشراء بطاقة سفر لرحلة جوية في العطلة الصيفية، عندما ترتفع الأسعار بصورة كبيرة. تقول: "منذ ثلاثة أعوام، أسافر إلى الرباط في الحافلة. ولأنّهم يعرفون ظروفي المادية، يتساهلون معي، فأدفع 100 يورو في حين يدفع آخرون 140 يورو".



من جهته، ما زال عمّي أحمد الفلالي، وهو في السبعينيات من عمره، يتذكر الحافلات القديمة التي سافر فيها كثيراً في فصل الصيف. ويخبر أنّا "كانت مثل الجحيم، بسبب الحرارة وغياب التكييف. أمّا في الشتاء، فتغيب التدفئة". يضيف أنّ "كلّ شيء تغيّر اليوم، وصارت الحافلات مريحة ومكيّفة بحسب الطقس". ولا يخفي الرجل المتقاعد أنّه يخشى السفر جوّاً، ولا يحبّ الحشود وإجراءات التفتيش في المطارات، على الرغم من إدراكه أنّ "السفر بالطائرة أفضل بالنسبة إلى من هو في مثل سنّي". ويتابع: "أنا متقاعد، ولديّ متسع من الوقت للسفر. لذا، أستطيع اختيار الفترات التي يكون فيها ثمن بطاقات السفر منخفضاً والزحام خفيفاً، أي بعيداً عن الأعياد والعطل الصيفية".




في سياق متّصل، يتحدّث مصطفى الأنصاري وهو أحد السائقين عن أجواء السفر الإيجابية في الحافلة. والأنصاري يتبادل القيادة في خلال الرحلة الواحدة مع سائقَين آخرَين، موضحاً "نحرص على تأمين الراحة للمسافرين. ونتوقّف عند حاجتهم إلى استراحة ما أو بهدف الصلاة. ومن لا يحضر معه طعاماً، فإنّنا نتقاسم معه ما نملك، وثلاجة الحافلة مفتوحة أمام الجميع".

المساهمون