عقارب قاتلة في صحراء الجزائر

عقارب قاتلة في صحراء الجزائر

09 سبتمبر 2018
أخطرها العقرب الأصفر (Getty)
+ الخط -
تقتل العقارب في صحراء الجزائر عشرات الأشخاص سنوياً، وتلدغ عشرات الآلاف. البنية التحتية الصحية غير مؤهلة، والأمصال المضادة غير كافية، وهو ما يؤدي إلى أزمة لدى الأهالي الذين يجدون أنفسهم عرضة للإصابة.

لم يكد وزير الصحة والسكان الجزائري مختار حسبلاوي ينهي مداخلته التي تحدث فيها عن حالة وفاة دكتورة جامعية بسبب لسعة عقرب في مستشفى بمدينة ورقلة جنوب الجزائر، حتى بدأ ناشطون في المدينة التحضير لحراك احتجاجي، ليس فقط ضد تصريحات حسبلاوي التي وصفت بالاستفزازية لسكان الجنوب، عندما لمّح إلى أنّ الدكتورة عائشة عويسات، قد تتحمل مسؤولية الحادث المميت الذي تعرضت له، لكن بسبب حالات الوفاة المسجلة في مناطق الجنوب جراء نقص الخدمات الصحية في منطقة صحراوية تعرف بتزايد حالات الإصابة بالتسمم العقربي.

منذ الخامس من سبتمبر/ أيلول الجاري، ترقد الطفلة حجاج أنفال في مستشفى ببلدة الرويسات، في ورقلة، بعدما لسعها عقرب بالقرب من منزلها. وفي التاسع من يوليو/ تموز الماضي سجلت ست وفيات بلسعة عقرب في منطقة برج باجي مختار، جنوب الجزائر، بسبب عدم توفر المصل المضاد للتسمم، إذ كان مستشفى المدينة قد استهلك حصته من المصل الذي تزود به والذي بلغ 300 وحدة. لكنّ ضغوط السكان والناشطين بعد هذا الحادث، دفعت وزارة الصحة الى زيادة حصة مستشفى المدينة التي تقع أقصى جنوبي الجزائر، إلى 600 وحدة.




تشير الإحصائيات الرسمية لوزارة الصحة الجزائرية، في دراسة نشرتها في 16 يوليو الماضي، إلى أنّ الجزائر تسجل سنوياً نحو 50 ألف لسعة، لكنّ عدد الوفيات بالتسمم العقربي لا يتجاوز في الحد الأقصى 60 حالة، إذ جرى تسجيل 58 حالة وفاة بالتسمم العقربي عام 2017، لكنّ تقارير غير رسمية ترفع رقم الوفيات إلى حدود 150 حالة. وذكرت وزارة الصحة أنّ أكثر من 15 في المائة من حالات التسمم العقربي لا يجري التبليغ عنها في ولايات الجنوب والصحراء، إذ يلجأ المصابون إلى العلاج بطرق تقليدية. وأشارت الدراسة إلى أنّ الجزء الغالب من حالات الوفيات، هو بسبب تأخر نقل المصابين إلى المستشفيات، أو اللجوء إلى طرق تقليدية في علاج آثار التسمم.

يقدم الخبير في مؤسسة "الواحة للدراسات الطبية" محمد فارس، معلوماته في هذا الخصوص: "لدى العقارب مادة سامة زلالية تدخل مجرى الدم. هناك 12 نوعاً من العقارب أخطرها العقرب الأصفر. وتسبب لدغات العقارب ألماً موضعياً واحمراراً وورماً، وقد يسبب السمّ في بعض الحالات الصعبة شللاً وتقلصات عضلية ووقفاً في عملية التنفس عند الصغار، وقد تتطور الحالة إلى تسمم عام. ويبلغ الخطر أوجه بعد ساعتين من اللدغة". يشير إلى أنّه يتوجب من باب الثقافة الصحية "تبريد مكان اللسعة بالماء البارد والثلج ووضع رباط ضاغط لمنع انتشار السم، وتعقيم مكان اللسعة بالماء والصابون والكحول، والتوجه بالمصاب إلى أقرب مستشفى.

خلال العام الجاري 2018، وزعت السلطات الجزائرية 80 ألف جرعة مصل مضادة للتسمم العقربي على المستشفيات، خصوصاً في مناطق الجنوب والصحراء والسهوب وسط البلاد، والتي تشهد 90 في المائة من هذه الحالات. وبينما كانت الجزائر تنتج الأمصال في سبعينيات القرن الماضي، فإنّها تخلت عن ذلك في وقت لاحق. يقول رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث، البروفسور مصطفى خياطي، إنّ "الجزائر توقفت عن صنع الأمصال المضادة للسمّ العقربي في السنوات الأخيرة، وهو ما يضطر البلاد الى استيرادها من الهند ومصر"، مشيراً إلى أنّ "الأمصال المستوردة غير فعالة بالشكل الكافي مع سمّ بعض العقارب التي تعيش في بلادنا".

تلعب البيئة الصحراوية، حيث تتجمع الرمال والأحجار في الأحياء السكنية، دوراً مساعداً في انتشار العقارب التي تتسلل إلى داخل البيوت أحياناً. يقول الناشط المدني في ورقلة، أيبك عبد المالك، لـ"العربي الجديد" إنّ "طبيعة المنطقة، في الأساس، تساعد على انتشار العقارب، إذ إنّ أغلبية المدن والبلدات في الجنوب ليست على مستوى كبير من البنية التحتية، وتتعرض كثيراً لزحف الرمال إلى داخلها، كما أنّ هشاشة بعض الأحياء السكنية والظروف البيئية توفر عوامل الانتشار للعقارب".




تراجع صناعة الأمصال المضادة للتسمم العقربي وإخفاق برنامج مكافحة التسمم العقربي الذي تنفذه وزارة الصحة في الجزائر ونقص التغطية الصحية وضعف الخدمات في مناطق الجنوب، ما زالت تمثل بعض دوافع الاحتجاجات الشعبية التي تعرفها مناطق الجنوب الجزائري في الفترة الأخيرة. يؤكد الناشط المدني الجنوبي، محمد قاسمي، لـ"العربي الجديد" أنّ "حالة الدكتورة عويسات التي توفيت أخيراً بالتسمم العقربي وصلت إلى الإعلام وأحدثت ضجة، لكن هناك ضحايا في القرى والمضارب البعيدة ممن لا يسمع أحد عنهم". يضيف: "للأسف، ما زالت العقارب عام 2018 تقتل في الجزائر. سكان الجنوب يعانون كثيراً في هذا الجانب، إذ لا توجد إدارة قوية ومسؤولون في مستوى تحديات متطلبات الجنوب، فالنظام مركزي ولا ينظر الى المشاكل والحلول إلا بمنظاره".

دلالات

المساهمون