"كريمة" مصر... النخبة والسياسيون "يحتلّون" الساحل الشمالي

"كريمة" مصر... النخبة والسياسيون "يحتلّون" الساحل الشمالي

07 سبتمبر 2018
يستمتعون بإجازة الصيف (العربي الجديد)
+ الخط -
تحوّل الساحل الشمالي المصري، الذي يُطلق على مجموعة القرى السياحية الواقعة غرب مدينة الإسكندرية وحتى مدينة مرسى مطروح، إلى وِجهة مفضلة لدى نخبة المجتمع المصري ونجومه ومشاهيره أو من يطلَق عليهم "كريمة المجتمع"، خلال الأعوام القليلة الماضية. ومع بدء فصل الصيف، ينتقل عدد كبير من هؤلاء إلى تلك المنطقة الساحلية التي تتمتع بمناخ معتدل وطبيعة ساحرة. حتّى إنّ الإقبال الشديد من أغنياء المجتمع على الساحل الشمالي كان دافعاً للحكومة المصرية للتفكير في إقامة مقر لها هناك، ما اعتبره مراقبون انحيازاً واضحاً للطبقة الغنية، وتجاهلاً للفقراء الذين يشكلون الغالبية العظمى من الشعب المصري. والفقراء لا يعلمون حتى أسماء الأماكن التي يتردد الأغنياء عليها ونجوم المجتمع وأعضاء الحكومة ورجال الأمن.

وتعدّ قريتا "هاسيندا" و"مراسي" السياحيتان الوجهتين الأكثر تفضيلاً للأغنياء والمسؤولين الكبار في فصل الصيف، حتى إن الرئيس المخلوع حسني مبارك كان وما زال أحد أشهر رواد قرية "هاسيندا" التي تحتضن رجال الأعمال الكبار، مثل أحمد أبو هشيمة، والفنانين مثل عمرو دياب وتامر حسني وآخرين. وفي مراسي، يقطن من الإعلاميين خالد صلاح رئيس تحرير موقع وجريدة "اليوم السابع" التابعة للاستخبارات العامة، وعادة ما تكون مكاناً لإنهاء صفقات تجارية. ومن أشهر الإعلاميين الذين تملكوا فيلات في الساحل الشمالي، يأتي كل من إبراهيم عيسى ولميس الحديدي وعمرو أديب.

"طبلة" و"سيكس ديغريز"

أحمد وهدان اسم يعرفه كل رواد الساحل الشمالي، وهو صاحب مكان يسمى "طبلة"، يتجمع فيه المشاهير ورجال الأعمال. اشتهر بكونه "ملك السهر في الساحل الشمالي". وكلّ من يرغب في أن يعيش حياة السهر، لا بد أن يتوجه مباشرة إلى أحمد وهدان الذي يوفر كل مستلزمات السهر. وبحسب مصادر تحدثت لـ "العربي الجديد"، شهد "طبلة" العديد من الصفقات المشبوهة، إضافة إلى اتخاذ قرارات تتعلق بتنظيم وسائل الإعلام التي سيطرت عليها أجهزة نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي. وافتتح فرع آخر له في منطقة الزمالك في القاهرة على أحد مراكب النيل. ويعتمد المكان دائماً على الرقص الشرقي الذي تقدمه مجموعة كبيرة من أشهر الراقصات الأجانب، مثل آلا كوشنر. ويحرص عدد كبير من نجوم الفن على حضور سهرات "طبلة"، ومنهم يسرا وتامر حسني ودينا وآخرون.

نادي خاص (العربي الجديد) 


"سيكس ديغريز" (six degrees) لصاحبه أحمد البلتاجي مكان آخر يقصده أغنياء الساحل الشمالي، أمثال خالد صلاح وأحمد أبو هشيمة وعمرو دياب. والثلاثة أصدقاء مقربون، وعادة ما يستضيفهم الأخير في فيلته في قرية "هاسيندا". والبلتاجي هو نفسه صاحب المكان الشهير "تاماراي" (tamarai)، الذي يقع على النيل في القاهرة، وتحديداً في أحد فنادق الخمس نجوم، وتحوّل اسمه حالياً إلى (tiu). ويشهد المكان أفخم الحفلات ويفرض أحياناً بعض الشروط، ومنها ارتداء لباس معيّن أو ما يسمى بـ "dress code".

لا مكان للقاهرة

وخلال السنوات القليلة الماضية، سحب الساحل الشمالي البساط من العاصمة القاهرة في مجالات عدة، منها الحفلات الغنائية. وبعدما كانت القاهرة مركزاً للحفلات الفنية لنجوم الغناء لسنوات طويلة، أصبحت في الفترة الأخيرة خالية تماماً من تلك الحفلات، ولم تشهد العاصمة أي حفلة لنجم كبير منذ سنوات. ويعود ذلك لأسباب عدة، على رأسها منع الأجهزة الأمنية إقامة الحفلات الجماهيرية في القاهرة، وعدم إعطاء التصاريح اللازمة، وتوجّه منظمو الحفلات إلى قرى الساحل الشمالي السياحية لإقامة حفلاتهم، لأن جمهور الساحل أكثر قدرة على دفع أثمان تذاكر الحفلات المرتفعة للنجوم.

تمرح وحدها (العربي الجديد) 


أجهزة السيسي الأمنية لم تتخل عن فرصة الاستثمار في الساحل الشمالي، إذ اعتبرته مجالاً يمكن أن تربح أموالاً طائلة من خلاله. لذلك، أقدمت شركة "فالكون" التابعة للاستخبارات على دخول مجال تنظيم الحفلات بالشراكة مع منظم الحفلات المصري الشهير وليد منصور من خلال شركة "تواصل"، وهي كما توصف "سيستر كومباني" لـ "فالكون" التي لا ترغب في الظهور في الصورة.

وتعود ملكية شركة "تواصل" للإعلام إلى مجموعة "فالكون" للأمن والحراسات التي يرأس مجلس إدارتها رجل الاستخبارات شريف خالد، والتي استحوذت مؤخراً على العديد من المؤسسات الإعلامية، منها شبكة تلفزيون "العاصمة" التي كانت مملوكة للنائب سعيد حساسين، وشبكة تلفزيون "الحياة" التي كانت مملوكة لرجل الأعمال السيد البدوي شحاتة. ومؤخراً، فرضت "تواصل" شراكتها مع المنتج السينمائي ومنظم الحفلات وليد منصور، من أجل استغلال عائدات حفلات الساحل التي تقدر بمئات ملايين الجنيهات.



وعلى الرغم من أنّ قرى الساحل الشمالي، وتحديداً "هاسيندا" و"مراسي"، هي المقرّ الأشهر لرجال الأعمال ونجوم المجتمع، خصوصاً رجال عصر مبارك وأسرته، ما زال الرئيس عبد الفتاح السيسي يفضّل قضاء إجازته في المعمورة في الإسكندرية. واعتادت عائلة الرئيس قضاء إجازات العيد والصيف في منتجعات رئاسة الجمهورية في المعمورة. لكن بعد سيطرة السيسي على الحكم، تركت عائلة الرئيس مقراتها التي كانت تقع في الطابق الأرضي، وجزء منها مخصص لضباط الحرس الجمهوري، والجزء الآخر لأسر بعض الوزراء. وانتقلت إلى الاستراحة الجديدة التي جددت بالكامل والمطلة على البحر مباشرة. وبحسب مصادر في شركة المعمورة للتعمير والتنمية السياحية، فإن السيسي وعائلته يحبون المعمورة منذ أن كان ضابطاً في الاستخبارات الحربية. وكان يأتي إليها لقضاء الإجازات في شاليهات العبور، الموجودة إلى جوار شاليهات الحرس الجمهوري، على مقربة من استراحة الرئاسة. لكن الأمر قد يتغير في الفترة المقبلة، إذ علمت "العربي الجديد" أنه من المخطط إقامة استراحة رئاسية كبرى في الساحل الشمالي.

قليل من الهدوء (العربي الجديد) 


مقر صيفي جديد

وكان ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي قد تداولوا في 7 أكتوبر/ تشرين الأول في عام 2014، مقطع فيديو يظهر فيه السيسي وهو يقود دراجة في حي المعمورة في محافظة الإسكندرية، حيث استراحة رئاسة الجمهورية. وأظهر الفيديو الذي بلغت مدته 18 ثانية السيسي وهو يرتدي ملابس رياضية ويقود دراجته وسط أفراد الأمن. وفي 13 إبريل/ نيسان في عام 2015، احتفل السيسي بعطلة شم النسيم في الاستراحة الرئاسية في منطقة المعمورة في الإسكندرية بمرافقة أسرته، ورفعت درجة الاستعداد الأمني في المدينة، وانتشرت عناصر قوات الحرس الجمهوري في محيط الاستراحة الرئاسية.



وفي عام 2017، أعلنت حكومة السيسي عن إنشاء مقر صيفي لها في الساحل الشمالي، وتحديداً في مدينة العلمين الجديدة. وقال وزير الإسكان آنذاك مصطفى مدبولي، الذي أصبح لاحقاً رئيساً للحكومة إضافة إلى كونه وزيراً للإسكان، إن مدينة العلمين الجديدة تقترب مساحتها من 50 ألف فدان، ولديها واجهة شاطئية وتقع في موقع متميز، وطولها يعادل طول كورنيش الإسكندرية. أضاف خلال مؤتمر صحافي عقده في الممشى السياحي في المدينة أنه "سعيد جداً بمجيء وسائل الإعلام والصحافيين ليروا حجم التحديات وحجم البناء، ومجموعة الأبراج والمباني الفندقية والسكنية التي سيتم إنشاؤها. نحن نسابق أنفسنا ليرى المواطنون حلم العلمين الجديدة خلال فترة زمنية قليلة"، مشيراً إلى أن تمويل المدينة هو من خلال هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة (تتبع وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية المصرية)، وهناك مستثمرون كبار بدأوا التفاوض مع الوزارة، وستطرح عليهم مشاريع قريباً".

والجدير ذكره أن حكومة أحمد نظيف إبان حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك كانت قد تراجعت عن قرار بناء مدينة سكنية في الساحل الشمالي، بسبب "مخاطر الغرق". إذ حذرت دراسات في عام 2010 من خطر الاحتباس الحراري، وأشارت إلى أن ارتفاع منسوب مياه البحر بسبب الاحتباس الحرارى يستدعي إعادة دراسة الموقع الذي خصص لإنشاء المدينة في الظهير المباشر لقرى ومنتجعات الساحل الشمالي.