حكاية ثلاث تلميذات حرمهن الاحتلال من حقهن في التعليم

حكاية ثلاث تلميذات حرمهن الاحتلال من حقهن في التعليم

06 سبتمبر 2018
خلال الاعتصام (أمير عبد ربه)
+ الخط -

حرمت تلميذات ثلاث من بلدة العيسوية وسط القدس المحتلة من الالتحاق بمقاعد الدراسة بسبب انتهاج الاحتلال الإسرائيلي سياسة تهدف إلى أسرلة قطاع التعليم، وإجبار التلاميذ على تعلّم المنهاج الإسرائيلي
لم تتمكّن ثلاث تلميذات شقيقات من بلدة العيسوية وسط القدس المحتلة، وهن ناديا وملك ولجين داري، من الالتحاق بمقاعد الدراسة حتى اليوم، بسبب إغلاق باب التسجيل أمامهن وأمام أكثر من سبعين تلميذة أخرى شاركن على مدى الأيام الماضية مع أهلهن في وقفة احتجاجية أمام مدارس البلدة للمطالبة بحقهن في التعليم.

ناديا وهي في الصف الرابع ابتدائي، تقول ببراءة: "ذهبنا إلى المدرسة، ولم تقبل المديرة إدخالنا إلى الصف. قالت لأبي إنه ما من مقاعد شاغرة". كما أُخرجت شقيقتها ملك من داخل الصف لأنّها جلست في مقعد تلميذة مسجلة ومنتظمة في المدرسة، إلى حين حصول مديرة المدرسة على إشعار من قبل دائرة المعارف في بلدية الاحتلال الإسرائيلي في القدس، تسمح لها بالانتظام في المدرسة وفي أحد صفوفها، أو الانتقال إلى مدرسة أخرى من بين سبع مدارس افتتحتها البلدية، وشرعت بتطبيق المنهاج الإسرائيلي على التلاميذ المسجلين فيها على الرغم من مقاطعة العديد من الأهالي هذه المدارس، من بينهم والد ناديا وملك ولجين. يقول: "لا نريد لأحد غسل أدمغة أطفالنا. ولا أستوعب أن تحدثني بناتي عن أورشليم أو جبل الهيكل أو عير دافيد بدلاً من القدس والمسجد الأقصى وسلوان".

اختارت ناديا وملك الالتحاق بتظاهرة حاشدة نظمها أهالي العيسوية في ميدان بلدية الاحتلال احتجاجاً على عدم وجود مقاعد دراسية لهما. خلال التظاهرة، هتفت ناديا وملك: "بدنا نتعلم، ليش تحرمونا من التعليم"، إلى جانب الأهالي والتلميذات الغاضبات الأخريات. أرادوا جميعاً إيصال أصواتهم إلى رئيس بلدية الاحتلال الذي توعد اللاجئين المقدسيين أول من أمس بكف يد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" عنهم، ومنعهم من ممارسة دورهم حيال نحو مائة ألف لاجئ مقدسي يقطن جلّهم في مخيم شعفاط.



عادت ناديا وملك وعشرات التلميذات المحتجات إلى قريتهن وقد أعربن عن رغبتهن في المشاركة في اعتصامات أخرى، بينما اختارت شقيقتهما الصغرى لجين الاعتصام قرب المدرسة حتى تحصل على حقها في التعلم. بدأت معاناة الشقيقات الثلاث مع قرار نقلهن من مدرسة خاصة في البلدة إلى أخرى تابعة لبلدية الاحتلال، بسبب عدم قدرة والدهن على دفع أقساطهن المدرسية، ما أدى إلى نزاع مع مديرة المدرسة الخاصة التي منعتهن من دخول الصف. ولم يعاودن الذهاب إلى المدرسة إلا بعدما استدان الوالد جزءاً من القسط.

يقول أحمد داري، والد التلميذات الثلاث لـ "العربي الجديد"، إن قراره بنقل بناته جاء لأسباب عدة منها ما هو متعلق بالأقساط وعدم قدرته على تمويل تعليم بناته، وتراجع مستوى التعليم في تلك المدرسة، التي تحولت إلى مؤسسة لتحقيق الكسب المادي فقط.

تبتسمان على الرغم من المشكلة (أمير عبد ربه) 


كل جهود داري التي أعقبت إخراج بناته من المدرسة الخاصة وتسجيلهن في المدرسة الأساسية في البلدة باءت بالفشل، علماً أن بناته أحق بالتسجيل من أخريات من خارج البلدة، على حد قوله. وكان على إدارة المدرسة أن تعطي أولاً الحق في التسجيل لتلميذات القرية. لكن بلدية الاحتلال تسعى إلى جعل الناس يفكرون بطريقة عنصرية وإثارة المشاكل بين أهالي البلدة وأهالي التلاميذ من خارج المدرسة، وإرغام المواطنين على تسجيل أبنائهم في مدارس تطبق المنهاج الإسرائيلي، الأمر الذي يرفضه الجميع.

وفي انتظار ما سيتقرّر خلال الأيام القليلة المقبلة، ما زال داري في حيرة من أمره، في وقت تقضي ناديا وملك ولجين أوقاتهن بين البيت والمدرسة الموصدة أبوابها أمامهن.

مثل هذا المصير ينتظر مئات تلاميذ الصفوف الابتدائية والإعدادية في القدس المحتلة، ويهدّد مستقبلهم التعليمي في ظلّ النقص الحاد في الصفوف الدراسية، ما يجعل هؤلاء من دون إطار تعليمي. بالتوازي، تعمل بلدية الاحتلال على فتح مراكز ومقرات تعليمية وتوسيع صفوف مدرسية في عدد من المدارس التي رضخت لضغوط الاحتلال وبدأت تطبيق المنهاج الإسرائيلي. وفي ظل النقص في الكادر التعليمي والإداري في هذه المدارس، باتت تدار بصورة مباشرة من جهاز التعليم التابع لبلدية الاحتلال.

التعليم حق لهن (أمير عبد ربه) 


وتزداد معاناة قطاع التعليم في ظلّ تغلغل الاحتلال فيه منذ عامين. واتخذ الاحتلال مجموعة من الاجراءات بهدف أسرلة القطاع وافتعال الأزمات كالنقص الكبير في الكادر التعليمي، وفصل بعض المديرين خلال الأيام الأخيرة من العطلة الصيفية قبل افتتاح العام الدراسي بأيام، وترك المدارس من دون مديرين، استناداً إلى معطيات نشرها اتحاد أولياء الأمور في مدارس القدس المحتلة التابعة لوزارة المعارف الإسرائيلية. ويوضح أن هذا الافتعال للمشاكل يهدف إلى ممارسة ضغوط على الأهالي وإرغامهم على تسجيل أبنائهم في المدارس والصفوف التي تعلم المنهاج الإسرائيلي "البجروت"، علماً أن التلميذ الذي تسجل لدراسة المنهاج الإسرائيلي وأراد العودة إلى المنهاج الفلسطيني يرفض طلبه بحجة عدم وجود مقعد دراسي له.



وحوّل الاحتلال بعض المدارس التي وافقت على إدخال المنهاج الإسرائيلي إلى مدارسها إلى لجان تحقيق، بسبب تراجع العديد من أولياء أمور التلاميذ عن تدريس أبنائهم "البجروت".
وكانت لجنة أولياء أمور التلاميذ في بلدة العيسوية قد نظمت اعتصاماً صباح أول من أمس، رفعت خلاله شعارات من قبيل: "من حقي تلقي التعليم المناسب في الوقت المناسب والمكان المناسب.. أبناؤنا حماة المستقبل ومن حقهم التعليم". وأشارت إلى أن مشكلة النقص في الصفوف للإناث والذكور في البلدة قائمة منذ عشر سنوات، متهمة بلدية الاحتلال بالمماطلة في تنفيذ وعود قطعتها على نفسها بحل الأزمة المتفاقمة للتعليم في العيسوية، وحرمان عشرات التلاميذ سنوياً من حقهم في التعلم.

وتلفت اللجنة إلى أنّ بلدية الاحتلال في القدس عمدت مؤخراً إلى توسيع وبناء مدارس في أحياء أخرى في مدينة القدس تدرّس المنهاج الإسرائيلي. وتوجّه الأهالي إلى هذه المدارس، وعددها سبع، وقد أنشأت مؤخراً في بلدة بيت حنينا. ويشير خبراء إلى أن بلدية الاحتلال صادرت العديد من الأراضي في مدينة القدس بهدف بناء مدارس، علماً أن المحكمة الإسرائيلية العليا أقرت عام 2011 أن على البلدية ووزارة التعليم الإسرائيلية بناء ما يكفي من الصفوف الدراسية في القدس لسد العجز.

المساهمون