تحرّش مصر... بيئات العمل غير مأمونة

تحرّش مصر... بيئات العمل غير مأمونة

05 سبتمبر 2018
68% من النساء العاملات مهدّدات (محمد الشاهد/ فرانس برس)
+ الخط -


كثيرة هي قضايا التحرّش التي تبقى ضحاياها المصريات مجرّد أسماء في حكايات تُنشَر هنا وهناك، فمصر لم تخط خطوة واحدة نحو مواجهة جدية وحاسمة.

التحرّش الجنسي المستشري في مصر إلى درجة يجعلها تحتل الصدارة عالمياً في هذا المجال، لا يأتي محصوراً ببيئة دون أخرى أو بسياق دون آخر، فيتهدّد أماكن العمل مثلما يطاول الفضاءات العامة أو غيرها. ويمكن القول إنّ كلّ امرأة أو فتاة في مصر عرضة إلى التحرّش الجنسي، بغض النظر عن السنّ والثقافة والمظهر الخارجي. وبالفعل، أعلنت هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسَين وتمكين المرأة (هيئة الأمم المتحدة للمرأة) في دراسة أعدّتها خلال العام الماضي، أنّ نحو 99 في المائة من النساء المصريات تعرّضنَ إلى شكل من أشكال التحرّش الجنسي.

وقضيّة التحرّش في أماكن العمل فجّرتها الصحافية المصرية في صحيفة "اليوم السابع"، مي الشامي، عندما كشفت عن واقعة تحرّش لفظي وجسدي تعرّضت إليها في داخل المؤسسة من قبل المدير التنفيذي. وقد تقدّمت بشكوى رسمية إلى إدارة المؤسسة وحرّرت محضراً لدى الشرطة بالواقعة، لتستمع النيابة إلى أقوالها وتطّلع على ما تملك من مستندات وتسجيلات تثبت ما تعرّضت إليه مساء الجمعة الماضي. وهذه ليست المرّة الأولى التي تُكشَف فيها واقعة تحرّش جنسي في مكان العمل وتحديداً في المؤسسات الصحافية. ففي السابع من أغسطس/ آب من عام 2016، أثارت الصحافية المصرية في صحيفة "روز اليوسف"، منى يسري، ما تعرّضت إليه من تحرّش في داخل المؤسسة التي تعمل بها، ارتكبه رئيس التحرير. وقد حرّرت محضراً بالواقعة لدى الشرطة.

وكانت دراسة أعدّها المركز المصري لحقوق المرأة تحت عنوان "التحرّش الجنسي في مجال عمل المرأة" قبل سنوات عدّة، قد خلصت إلى أنّ 68 في المائة من النساء العاملات يتعرّضن إلى تحرّش جنسي، 46 في المائة منهنّ يتعرّضنَ إلى تحرّش لفظي و22 في المائة يتعرّضنَ إلى تحرّش بدني. وبيّنت الدراسة نفسها أنّ أكثر السلوكيات التي أشارت إليها النساء في هذا السياق، هي لمس يد المرأة بطريقة متعمدة (78 في المائة) ولمس أجزاء من جسدها (76 في المائة) والنظر إلى أماكن حساسة من جسدها (76 في المائة) ومحاولة تقبيلها (73 في المائة) وامتداح قوامها (72 في المائة) والتهديد والإغراء لتتجاوب مع الرجل جنسياً (72 في المائة).




في عام 2014، أعدّت سكرتارية المرأة العاملة في الاتحاد العام لعمّال مصر دراسة حول التحرّش اللفظي داخل أماكن العمل، تناولت عيّنة من 20 ألف عاملة تتراوح أعمارهنّ بين 20 و55 عاماً. فبيّنت نتائج الدراسة أنّ 30 في المائة من النساء العاملات في مصر يتعرّضنَ إلى تحرّش في أماكن العمل، والنسبة الكبرى في القاهرة مع نحو 70 في المائة، بينما قُدّرت الحالات في محافظات الدلتا بنحو 18 في المائة، لتختفي الحالات تقريباً في محافظات الصعيد حيث بلغت نسبتها نصفاً في المائة. إلى ذلك، أثبتت الدراسة أنّ 50 في المائة من النساء العاملات المتعرّضات إلى التحرّش في القاهرة يواجهنَ اضطهاداً في العمل.

إلى ذلك، وفي تقرير تحت عنوان "التحرّش الجنسي في أماكن العمل"، بيّنت مؤسسة "المرأة الجديدة" في عام 2016 أنّ النساء اللواتي شملهنّ التقرير وعددهنّ 58 امرأة، تعرّضنَ بمعظمهنّ إلى التحرّش الجنسي في المؤسسات حيث عملنَ. وأوضحت أنّ التعرّض إلى التحرّش الجنسي في أماكن العمل ليس مرتبطاً بمرحلة عمرية أو تعليمية ولا بحالة اجتماعية ولا بالزيّ الذي ترتديه النساء.

وتضامناً مع مي الشامي، أصدرت تنسيقية نساء مصر ومبادرة المحاميات المصريات (منظمة مجتمع مدني مصرية) بياناً مشتركاً جاء فيه: "في ظل غياب سياسات عمل واضحة تمنع التحرّش وتحمي الضحية من الفصل أو الإجراءات التعسفية في العمل إذا ما أبلغت عن تعرّضها للتحرّش فقد قامت الصحافية #مي_الشامي بالإبلاغ عن تعرّضها للتحرّش اللفظي والجسدي من صحافي وقيادة تنفيذية كبرى بالجريدة داخل صالة التحرير، ومن المفترض أن تكون تلك الوقائع قد سُجّلت بالكاميرات المتواجدة بمكان العمل، إلا أنّ أخباراً تتردد عن ضغوط تتعرّض لها الصحافية للتنازل عن بلاغها، وكذا أنّ قيادات بالصحيفة المذكورة قد يتورّطون في مسح تلك التسجيلات". وطالب البيان بـ"سرعة الانتهاء من التحقيقات على نحو ناجز مع كفالة كافة الضمانات القانونية لحماية المبلِّغة وحيادية التحقيقات الإدارية التي تجريها المؤسسة والتحفظ على التسجيلات والسجلات التي تثبت الوقائع". يُذكر أنّ عاملين في مؤسسة "اليوم السابع" التي تضمّ الصحيفة والموقع الإلكتروني، أكّدوا بالفعل عودة رئيس التحرير التنفيذي المتهم بالتحرّش إلى العمل على الرغم من عدم انتهاء التحقيقات الداخلية أو تلك التي يُنظر فيها أمام النيابة.

من يحميها؟ (خالد دسوقي/ فرانس برس)


والبيان الذي أصدرته تنسيقية نساء مصر ومبادرة المحاميات المصريات ووقّعته عشرات المنظمات والأفراد، أشار إلى أنّ القانون المصري يجعل من سلطة ربّ العمل على الضحية ظرفاً قانونياً لتشديد العقوبة عليه. أضاف أنّ المادة 306 مكرر (أ) نصّت على أن "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه (نحو 170 دولاراً أميركياً) ولا تزيد عن خمسة آلاف جنيه (نحو 280 دولاراً) أو بإحدى هاتَين العقوبتَين كلّ من تعرّض للغير في مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية سواءً بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأيّ وسيلة بما في ذلك وسائل الاتصالات السلكية أو اللاسلكية".

أضاف البيان نفسه أنّ المادة 306 مكرر (ب) نصّت على أنّه "يعد تحرشاً جنسياً إذا ارتكبت الجريمة المنصوص عليها في المادة 306 مكرر (أ) من هذا القانون بقصد حصول الجاني من المجني عليه على منفعة ذات طبيعة جنسية، ويعاقب الجاني بالحبس مدّة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه (نحو 560 دولاراً) ولا تزيد عن عشرين ألف جنيه (نحو 1120 دولاراً) أو بإحدى هاتَين العقوبتَين. فإذا كان الجاني ممن نُصّ عليهم في الفقرة الثانية من المادة (267) من هذا القانون أو كانت له سلطة وظيفية أو أسرية أو دراسية على المجني عليه أو مارس عليه أيّ ضغط تسمح له الظروف ممارسته عليه أو ارتكبت الجريمة من شخصَين فأكثر أو كان أحدهم على الأقل يحمل سلاحاً، تكون العقوبة الحبس مدّة لا تقل عن سنتَين ولا تجاوز خمس سنين، والغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه (نحو 1120 دولاراً) ولا تزيد على خمسين ألف جنيه (نحو 2800 دولار)".




تجدر الإشارة إلى أنّ ثمّة حسابات وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي راحت أخيراً تحاول العبث بقضية الصحافية مي الشامي، من خلال نشر صور لها مع أعضاء في حركة شباب 6 إبريل السياسية المصرية، بهدف أخذ القضية إلى منحى سياسي. إلى ذلك، عدل متضامنون معها من داخل "اليوم السابع" عن موقفهم وراحوا ينشرون تغريدات وتدوينات تفيد بأنّه لا يمكن الجزم بصحة التهم المنسوبة إلى رئيس التحرير التنفيذي طالما أنّ التحقيقات مستمرة. وقد وصل الأمر بالبعض إلى مهاجمة الصحافية وإعلان تضامنه وتأييده لرئيس التحرير التنفيذي.

المساهمون