المشكلة المنسية

المشكلة المنسية

22 سبتمبر 2018
خزان سدّ فارغ (إيسوف سانوغو/ فرانس برس)
+ الخط -
كيف لقارة بهذا الكمّ الكبير من مصادر المياه أن تعاني الجفاف؟ أنهر النيل والكونغو وزمبيزي والنيجر، وبحيرة فيكتوريا (ثاني أكبر بحيرة مياه عذبة في العالم لجهة مساحة سطحها) وبحيرة تنجانيقا (مميزة بحجم مياهها وعمقها)، إلى جانب نسبة عالية من الأمطار المتساقطة طوال العام في بعض المناطق... كلّ ذلك لم يمنع أفريقيا من أن تُعدّ ثاني قارة لجهة معدلات الجفاف بعد أستراليا.

هل هو التغيّر المناخي الذي فاقم مشكلة الجفاف والتصحر لتتولّد عنها مشكلات أخرى بيئية واجتماعية وديموغرافية واقتصادية وسياسية؟ أم أنّ ثمّة عوامل أخرى ذات علاقة بالبشر (المواطن والمحتل)؟

للشخص الأفريقي دوره، بحسب ما يؤكد الكاتب والباحث محمد سليمان الزواوي، في تعميق آثار المشكلة بممارساته غير المسؤولة، من إزالة للغابات، وقطع مستمر للأشجار، والإفراط في الزراعة، وزيادة استهلاك الماشية للمراعي، واستخدام الوسائل الخاطئة في حصاد المزروعات. ومن شأن ذلك أن يقلل من احتمالات احتفاظ التربة بالمياه، ليكون الناتج إصابة الأرض بالجدب والجفاف. كذلك، فإنّ سوء إدارة الموارد المائية أدّى ويؤدّي إلى هدر كميات عظيمة من المياه وإقفار الأرض، الأمر الذي تسبب في أزمة غذاء أدّت بدورها إلى نزاعات وصراعات وحروب وقلاقل حصدت الأرواح وشرّدت الملايين من ديارهم.

ظلّ البعض يعزو الأمر برمّته إلى التغيّرات المناخية، وتقلبات مواسم الأمطار، وزيادة حرارة الغلاف الجوي التي أدّت إلى زيادة نسبة تبخر المياه، والجفاف في مناطق عدّة، ما فاقم مشكلة الهجرات والنزوح البيئي ومن ثمّ النزاعات حول الموارد.

ثمّة من يقول إنّ اختلال توزّع السكان هو المسبب الرئيس في ندرة مورد المياه خاصة، ويؤكد الزواوي أنّ حوض نهر الكونغو يحتوي على 30 في المائة من أراضي أفريقيا المشبعة بالمياه، بيد أنّ نسبة سكانه لا تتجاوز 10 في المائة من سكان القارة.

وتشير أصابع الاتهام إلى الاحتلال الغربي الذي عمل على نهب ثروات القارة، تاركاً السكان في فقر مدقع وجهل أكبر ممّا كانوا عليه بعدما أقصاهم بقدر ما استطاع عن معارفهم التقليدية، ثمّ عمد إلى تقسيم القارة تقسيماً جغرافياً يضمن استمرار تفجّر الصراعات القبلية والدينية والنزاعات على مصادر المياه والأراضي الزراعية والمراعي ومسارات الرعاة. وظلّ يدير هذه الصراعات ويتحكم فيها حتى بعد خروجه، ضامناً استمرار الاستنزاف.




منذ سنوات، يكرر البنك الدولي أنّ "المجاعات هي أكبر مشكلة منسية في العالم"، مثلما أكّدت منظمة الزراعة والأغذية (الفاو) أنّ زيادة أسعار الغذاء في العالم أدّت إلى كارثة في 36 دولة، معظمها في أفريقيا، وكلها في حاجة إلى إعانات. وهنا يأتي التدخل الثاني بعد خلق الأزمة، فكيف تسنّى لهؤلاء أن يخلقوا من قضية المياه أزمة غذاء، لا بل أزمة حياة؟

*متخصص في شؤون البيئة

المساهمون