مدارس لبنان... مشاكل في التعليم الرسمي والخاص

مدارس لبنان... مشاكل في التعليم الرسمي والخاص

18 سبتمبر 2018
بدأت المدرسة (حسين بيضون)
+ الخط -

من المقرر حتى نهاية شهر سبتمبر/ أيلول الجاري أن يدخل نحو مليون و350 ألف تلميذ إلى ما مجموعه أكثر من ثلاثة آلاف مدرسة في مختلف المناطق اللبنانية. هو عام دراسي جديد تميزه المشاكل الإدارية

معظم التلاميذ في لبنان الذين بدأوا في سبتمبر/ أيلول الجاري عامهم الدراسي تباعاً، هم من اللبنانيين. مع ذلك، هناك من بين مليون و350 ألف تلميذ، أقل من 250 ألف تلميذ سوري يتعلمون في المدارس الرسمية بموجب إحصاءات تتداولها الوكالات الدولية، ونحو 50 ألف تلميذ فلسطيني يتعلمون في 67 مدرسة تتبع لوكالة "الأونروا". أما اللبنانيون فيتوزعون على مدارس القطاعين العام بحصة صغيرة، والقطاع الخاص بالحصة الأكبر.

انطلاقة العام الدراسي الحالي مشحونة بمشاكل لم يعهدها اللبنانيون والمقيمون، وقد بدأت بوادر ذلك من خلال تأخير المدارس الخاصة فتح أبوابها لتسجيل تلاميذها القدامى والوافدين الجدد. كذلك، تأخرت المدارس الحكومية كالعادة عن الخاصة، مع ما فيها من مشاكل كبرى. أما مدارس "الأونروا" فقصتها مرتبطة بالوضع الذي تعانيه هذه الوكالة الدولية بعد القرار الأميركي بوقف المساعدات التي كانت تشكل نحو 30 في المائة من موازنتها العامة.
التعليم في لبنان يندرج تحت ثلاثة أقسام هي:

- التعليم الرسمي المجاني وتتولاه شبكة من المدارس تشرف عليها وزارة التربية والتعليم العالي التي تتولى الإنفاق عليها من الموازنة العامة.
- التعليم الخاص غير المجاني عبر مؤسسات في معظمها تتبع مؤسسات وهيئات دينية مسيحية وإسلامية، والقليل القليل منها علماني. وتتقاضى هذه المدارس أقساطاً مرتفعة من الأهالي الذين يرسلون أبناءهم إليها.
- التعليم الخاص المجاني. يتبع أيضاً للمرجعيات السابقة، مع أفراد يملكون رخصاً تبيح لهم فتح مدارس غالباً ما تكون في الضواحي والمناطق الفقيرة. ويجري تمويل هذه المدارس من مصدرين، هما وزارتا التربية والشؤون الاجتماعية للحالات المتعسرة، بالإضافة إلى ما يدفعه الأهالي.




القطاع الرسمي
ما يمكن ملاحظته بداية من الأرقام الرسمية التي ترد سنوياً في النشرة الإحصائية التي يصدرها المركز التربوي للبحوث والإنماء (مرتبط بوزارة التربية) هو تراجع وزن التعليم الرسمي العام بالمقارنة مع التعليم الخاص. وبالطبع لا يشمل هذا الوضع العام الدراسي الجاري الذي قد تكون له أحكامه المختلفة عن الأعوام السابقة. لكن ما يمكن الوصول إليه بسهولة من خلال مقارنة الأرقام التي وردت في الأعوام الثلاثة الأخيرة مع ما كانت عليه مطلع العقد الثاني من الألفية الثالثة هو تدني نسبة الإقبال على التعليم الحكومي العام من قرابة أربعين في المائة إلى ما دون الثلاثين في المائة في العام الدراسي 2014 – 2015 من إجمالي عدد التلاميذ. مقابل ذلك، ارتفع حجم الإقبال على التعليم الخاص بشقيه المجاني وغير المجاني إلى أكثر من 70 في المائة، وهي نسبة تعادل أكثر من ثلثي عدد التلاميذ.

أما مردّ هذا التراجع فهي المشاكل التي تعاني منها المدرسة الحكومية، وأبرزها:

- التدخلات السياسية في تعيين المديرين وفي تغطية المعلمين الذين لا يؤدون واجباتهم، وكذلك في اختيار المتعاقدين لسدّ النقص الحاصل سنوياً في صفوف المعلمين والمعلمات، أو لملء الفراغ الذي يتركه المعلمون الذين لا يداومون في مدارسهم لأسباب شتى، من بينها قد يكون إلحاقهم بدوائر حكومية أخرى أو المرض أو تكليفهم من جانب المرجعيات السياسية التي تتولى تغطيتهم بمهام لا علاقة لها بدورهم التربوي.

- ضعف مردود الدورات التدريبية التي تشرف عليها كلية التربية في الجامعة اللبنانية ومدتها عام كامل لكلّ من مدرّسي التعليم الأساسي والثانوي، واقتصار أيام الدراسة على ثلاثة أيام أسبوعياً مقابل ثلاثة أيام دواماً في المدرسة. ولمّا كان هؤلاء يفدون إلى العاصمة من مناطق بعيدة جغرافياً عنها فإنّهم يصلون منهكين، إذ عليهم الاستيقاظ في الخامسة صباحاً للوصول في الوقت المحدد. ومع أنّ معظم هؤلاء يحملون شهادات جامعية إلّا أن كفاءاتهم التربوية تقتصر على الخبرة التي حصلوا عليها بالممارسة. واللافت، رغم إلحاح الكلية والمعلمين أنفسهم على ضرورة متابعة هذه الدورات بورش عمل ودورات سنوية قصيرة (15 يوماً)، إلا أنّ هذا لا يحدث.

- ضعف جهاز التفتيش الحكومي الذي يتقلص عدد أفراده تباعاً، من دون أن تعيِّن الوزارة بديلاً لمن يحالون منه إلى التقاعد. وقد بات عدد هؤلاء عدة عشرات فقط من أصل عدة مئات سابقاً، ما يجعل قيامهم بالتفتيش على أداء المدارس والمعلمين في مختلف المناطق شكلياً أكثر منه فعلياً. من جهة ثانية، فإنّ التقارير التي يرسلونها إلى الوزارة لا تتبعها إجراءات وقرارات تنفيذية لها، ما يجعل مهامهم شكلية لا أكثر.

في مدرسة رسمية (حسين بيضون) 













- تتميز المدرسة الرسمية بوفرة المعلمين وقلة عدد التلاميذ مقارنة بالتعليم الخاص. فبينما يصل المعدل الصفي للمعلم الواحد في الخاص إلى نحو 25 تلميذاً، ينخفض العدد في القطاع الرسمي إلى نحو 11 تلميذاً للمعلم الواحد. لكن، يلاحظ أنّ هناك مدارس حكومية تراجع دورها إلى حد أنّه بات عدد التلاميذ المسجلين لديها يساوي عدد المعلمين. وهو وضع لا علاج له، إذ إنّ المحاولة اليتيمة لوزير التربية والتعليم العالي السابق حسن منيمنة (2009-2011)، كانت عبر إقفال 87 مدرسة وإطلاق مشروع إصلاحي لإعادة الاعتبار للمدرسة الحكومية ومستواها كمؤسسة عامة يجب أن تكون منافسة أو مساوية لما هي عليه المدرسة الخاصة، هذا المشروع توقف بعد خروجه من الوزارة، وتابع التعليم العام انحداره.

- ضعف مستوى المدرسة الرسمية في مواد اللغات والعلوم على العموم، وهي مسألة محدِّدة في الإقبال على هذه المدرسة من جانب الأهالي الذين يريدون لأبنائهم مستوى عالياً فيها لا توفره إلّا المدرسة الخاصة. ومع أنّ مثل هذا الوضع تتسبب به عوامل شتى، إلا أنّ النقص في معلمي اللغات والرياضيات والعلوم والمختبرات يمثل ظاهرة، وهي أوضح في مدارس المناطق النائية عن العاصمة.

- الاعتماد في سد النقص السنوي على المتعاقدين من غير خريجي الاختصاصات التربوية. ومع أنّ القانون كان يفرض على كلّ متعاقد أن يكون خريجاً من كليات التربية سواء من الجامعة اللبنانية أو غيرها، فإنّ هذا القانون لم يجرِ التقيد بأحكامه، وباتت موجات من المتعاقدين غير المؤهلين تربوياً تدخل سنوياً إلى مهنة التعليم، بينما يمتص القطاع الخاص خريجي هذا الاختصاص للإفادة من كفاءاتهم ومهنيتهم.

- بالرغم من تطبيق المناهج الجديدة منذ 21 عاماً إلا أنّ الكثير من المواد التي أوجب تدريسها جرى تنفيذها في معظم مدارس القطاع الخاص من دون العام. وهكذا غابت حصص الفنون والكومبيوتر واللغة الثالثة عن الصفوف، وظلت المدراس الحكومية تفتقد إلى معلمي حصص الكومبيوتر والفنون (رسم، مسرح، موسيقى) واللغة الثالثة (فرنسية أو إنكليزية أو إيطالية أو غيرها).

- يدخل في باب تراجع مستوى المدرسة الرسمية إهمال الأهالي لأبنائهم بعد عودتهم من المدرسة باعتبارهم لا يدفعون أقساطاً عنهم، بل مجرد رسوم بسيطة بالمقارنة مع أقساط المدارس الخاصة. ومع أنّ السبب قد يكون أنّ الأهل أنفسهم لا يملكون المعارف التي تمكّنهم من مساعدة أبنائهم بسبب تدني مستواهم التعليمي، إلا أن ما قررته المنهجية الجديدة من ساعات التقوية المدرسية لم يدخل مرحلة التنفيذ يوماً. وهذا ما يضاعف مسألتين ملحوظتين بحثياً في المدرسة الرسمية، هما التأخر الدراسي والتسرب المدرسي في صفوفها.




القطاع الخاص
تختلف مشاكل القطاع الخاص عن العام. وأبرز مظاهرها هذا العام تطبيق قانون سلسلة الرتب والرواتب في القطاع العام (الزيادات على الرواتب على أساس الرتب والدرجات وسنوات الخدمة). ولمّا كان القطاع التعليمي يملك وحدة التشريع في القطاعين، فإنّ الزيادات التي استحقت للمعلمين والمديرين والنظّار في القطاع الرسمي، لا بد من أن يحصل عليها زملاؤهم من العاملين في مؤسسات القطاع الخاص.

مباشرة ما إن صدر القانون عن مجلس النواب (البرلمان) حتى أعلنت مؤسسات المدراس الخاصة التي تنضوي في تكتل موحد رفضها له، مبررة ذلك بأنّ مثل هذا القبول به سيدفعها حكماً إلى رفع معدل الأقساط على تلاميذها، نظراً لأنه لا قِبَل لها بتحمل تكاليف الزيادات على الأجور من دون ذلك. وأعلنت رفضها للزيادات ودعت الدولة التي سنت هذا القانون إلى تحمل الأعباء التي يتطلبها تطبيقه. ومع أن المؤسسات هذه قد لوّحت بإقفال أبواب مدارسها، إلا أنّ هذا عملياً اقتصر على بعض مدارس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية، ما أثار عاصفة لدى الأهالي وسائر المواطنين باعتبار أنّ مدارس هذه الجمعية تعود إلى العام 1878. كما أنّها تتابع رسالتها في تقديم التربية على ثقافة الاعتدال وقبول الآخر.

في أيّ حال، تمثل كلّ ما أقدمت عليه بقية مدارس القطاع الخاص بأمرين حدثا معاً، وقضيا بتقليص عديد الهيئات التعليمية في مدارسها، ما يعني زيادة عدد التلاميذ للمعلم الواحد. ولا شك أنّ مثل هذا الإجراء سيقود حكماً إلى تراجع المستوى التعليمي نتيجة إرهاق المعلمين وبيئة الصف المكتظة بالأعداد، ما يجعل مسألة ضبط إدارة الصف في غاية الصعوبة. أما الإجراء الثاني الذي اعتمدته فكان فرض زيادات متباينة على الأقساط بين كلّ مدرسة وأخرى تبعاً للكلفة ومستوى الأهل الذين يسجلون أبناءهم فيها.

وفي ظل ظروف أقل ما يقال فيها إنّها تعادل الانهيار، فإنّ ارتفاع معدل الأقساط من شأنه أن يدفع قسماً من الأهالي إلى أحد خيارين: تحويل أبنائهم إلى المدراس الحكومية، أو وقف تعليمهم.

تلميذة أونروا (حسين بيضون) 














الأونروا

لا بدّ من الإشارة أولاً إلى أنّ نسبة لا يستهان بها من أبناء اللاجئين الفلسطينيين في لبنان تتوجه نحو مدارس القطاعين العام والخاص اللبنانيين، أي أنّها لا تقصد مدارس الأونروا في الأصل. أما الأمر الثاني الذي لا بد من الإشارة إليه فهو أنّ الالتحاق المدرسي لدى اللاجئين ارتفع تباعاً في غضون السنوات الأخيرة ليصل إلى حدود 100 في المائة تقريباً، لكن على أهمية هذا الرقم، إلا أننا نجد خلال السنوات الدراسية تسرباً لا يستهان به، لأسباب شتى، لعلّ الأبرز من بينها عمل الأبناء لمساعدة الأهل معيشياً.

الأهم هذا العام، أنّ الوكالة باشرت التدريس منذ الأسبوع الأول من الشهر الجاري في تحدٍ واضح لقرار الإدارة الأميركية وقف مساهمتها في نفقات موازنة "الأونروا" السنوية، فقد نجحت الوكالة في غضون الأشهر الماضية في تأمين المبالغ اللازمة للشروع في فتح مدارسها بعدما كان ذلك محفوفاً بالمخاطر في أعقاب تجميد الولايات المتحدة مبلغ 300 مليون دولار من أصل 365 مليون دولار تعهدت بتقديمها في العام 2017. إلا أنّ عودة 525 ألف تلميذ إلى مدارس الوكالة في الضفة الغربية وقطاع غزة والأردن ولبنان وسورية يظلّ محفوفاً بالمخاطر ما دام تمويل الوكالة يعتمد على "همة" المانحين ويجعله بالتالي عرضة للاهتزاز إذا ما قررت واحدة من الدول الممولة الرئيسية التوقف عن دفع حصتها لأسباب سياسية أو غير سياسية، خصوصاً أنّ الولايات المتحدة لم تكتفِ بوقف مساعداتها، بل أرفقت ذلك بحملة ضارية على الوكالة ومدارسها، ما قد يترك تأثيراته على دول أخرى.




لعلّ ما أقدمت عليه الوكالة هذا العام هو مجرد مؤشر، فقد عمدت إلى تسريع تقاعد معلمين لديها، كما دمجت مدارس مع بعضها البعض لعصر النفقات، وزادت القدرة الاستيعابية للصفوف عن الخمسين تلميذاً للصف الواحد وغير ذلك من إجراءات تقشفية. وهو ما لم يقتصر على مدارسها الـ67 في لبنان، إذ شمل مدارسها في مناطق عملياتها الخمس، علماً أنّها في لبنان وحده تملك 9 مدارس ثانوية على عكس بقية الدول المضيفة التي تعتمد في هذه المرحلة على الثانويات الحكومية.

*باحث وأستاذ جامعي

المساهمون