حكاية منى المذبوح

حكاية منى المذبوح

17 سبتمبر 2018
لم يكن تعاطفي معها لأنها بريئة (فيسبوك)
+ الخط -

أبديت تعاطفي مع اللبنانية منى المذبوح عند اعتقالها في مصر، على خلفية مقطع فيديو طويل لها، ورد فيه إهانات عدة لكل المصريين بحجة أنها تعرضت للتحرش.

لم يكن تعاطفي معها لأنها بريئة، فما قالته في الفيديو من ألفاظ مسيئة لا يمكن تجاهله، وإنما كان تركيزي منصباً على تحويل الموضوع التافه إلى خلاف بين الشعبين بعد الانتشار المقصود لمقطع الفيديو الذي كان يمكن أن يمر بلا ضجة، لولا أن قرر أحدهم، على الأغلب في السلطة المصرية، تحويله إلى قضية وطنية، والذي يفسره التركيز الواسع من الإعلام الموالي للنظام عليه.

أخطأت منى المذبوح، لا شك في هذا، وكان اعتذارها كافياً لإغلاق الموضوع، لكن تصوير هذا الخطأ الفردي باعتباره خطيئة كان مدبراً، واعتقالها والحكم بسجنها لعدة سنوات أمر مستهجن، كما أن تهجم بعض المصريين على كل النساء اللبنانيات بسببها تجاوز لا يمكن قبوله.

لكن أبرز ما لفتني عند تفجر القضية كان المحاولات الجادة لتسييسها، في مصر وفي لبنان على حد سواء، فالحكومة المصرية، ووسائل الإعلام التابعة لها، قررت الانتقام لكرامة المصريين المهدورة على يد السائحة اللبنانية، متجاهلة كل الانتهاكات التي يتعرض لها المواطن المصري يومياً بسبب فشلها في شتى المجالات.

والأشقاء اللبنانيون قرروا استغلال القضية للهجوم على حكومتهم بحجة أنها لم تتصد للدفاع عن المواطنة المعتقلة في القاهرة، ولما تدخلت تلك الحكومة أخيراً، تحوّلت فجأة الاتهامات الساخنة إلى بيانات متكررة لشكر الحكومة على القيام بدورها، متجاهلةً كل فشلها الواضح الذي يعاني بسببه كل لبناني.

فور وصولها إلى لبنان فجر الجمعة الماضي، قالت منى المذبوح للصحافيين: "ما قمت به لم يكن بإرادتي بل بسبب تعرضي لعدة مواقف غير لطيفة".

استوقفتني تلك الجملة طويلاً، إذ لم أفهم تحديداً ما الذي تعنيه، فهل سجلت مقطع الفيديو وهي غائبة عن الوعي؟ هل كانت تحت تأثير مخدر أو كحول؟ المؤكد أنه لا يحق لكل من يتعرض لمواقف "غير لطيفة" في بلد توجيه الإهانات إلى كامل الشعب، لا في مصر ولا في لبنان.




لا أشكك في وجود جريمة التحرش في مصر، وفي لبنان كذلك، ولو صح أن المذبوح تعرضت للتحرش، فلا يمكن الإساءة إلى كل المصريين.

إن كان بعض المصريين متحرشين، فلا يعني ذلك بالضرورة أن كلهم كذلك.

وإن كانت المذبوح بذيئة اللسان، فلا يعني ذلك بالضرورة أن كل اللبنانيات كذلك.

الطبيعي ألا يستدرجنا الغضب إلى الخطأ، وعلينا أن نتعلم من تلك الواقعة ضرورة عدم السماح للحكومات باستغلالنا في مخططاتها للتعمية على تكرار فشلها.

دلالات

المساهمون