أطفال الجزائر يغرقون في الترع

أطفال الجزائر يغرقون في الترع

16 سبتمبر 2018
بعيدون عن البحر (فرانس برس)
+ الخط -

رغم حوادث الغرق المتكررة، لا يتوانى أطفال وشباب في الجزائر عن السباحة في المسطحات المائية الداخلية الخطيرة، إذ إنّه لا قدرة لهم على الذهاب إلى البحر.

في الخامس من سبتمبر/ أيلول الجاري، عاد أطفال الجزائر إلى مدارسهم بعد العطلة الصيفية. لكنّ بعضاً منهم ما زال يحاول الاستفادة من المناخ الجيد، لذا نجد صغاراً يسبحون في مناطق السدود والبرك المائية في المناطق الداخلية. لكنّ العواقب لا تأتي سليمة دائماً. وقبل أيام، توفي طفل كان يسبح في بركة بولاية مسيلة، الواقعة على بعد 260 كيلومتراً شرقي الجزائر.

خلال فصل الصيف، يتوافد سكان المدن الساحلية والقريبة منها في الجزائر، إلى الشواطئ، لكنّ شباب وأطفال المدن الداخلية والصحراوية بشكل خاص، لا يجدون لذلك سبيلاً، فيكون بديلهم البرك والترع والحواجز المائية والوديان (الأنهار والجداول) بالرغم من مخاطر ذلك، إذ تحصد المسطحات المائية الداخلية سنوياً عدداً من الوفيات خصوصاً من الأطفال.

غير مبالين بتلوث المياه واحتمالات الغرق، يصرّ أطفال من بلدتي أعمر وتماسين في أقصى الجنوب الجزائري مثلاً على السباحة في خندق تمرّ فيه مياه الريّ، مثل كثيرين في المدن والولايات الداخلية البعيدة عن الشواطىء، في حرّ الصيف.



وبالرغم من كونها عاصمة ولاية نفطية، فإنّ مدينة ورقلة، في جنوب الجزائر، ليس فيها ما يكفي من المسابح بحسب الإعلامي علي خليف بن جدو الذي يغطي أخبار المنطقة. يقول: "مدينة ورقلة التي يعيش فيها نحو 120 ألف نسمة، ليس فيها سوى مسبح واحد عام، وآخر للنساء، وأغلب مشاريع المسابح متوقفة أو مغلقة". يضيف: "هناك حديقة مائية لكنّ الدخول إليها يعادل 3 دولارات أميركية للفرد الواحد، وفي الغالب، فإنّ هذا المبلغ ليس في متناول معظم السكان". يضيف: "في كلّ صيف هناك 10 حالات غرق تقريباً في المسطحات المائية المختلفة في ورقلة".

يؤكد الناشط في الحراك الشبابي في ورقلة والجنوب الجزائري أيبك عبد المالك أنّ "غياب المسابح في ولايات الجنوب والمدن الداخلية هو جزء من تقصير الحكومات المتعاقبة في تطبيق خطط التنمية، وجزء من التهميش المتواصل لهذه المناطق". يتابع: "كيف ننتظر من سلطة لم توفر أدنى شروط العيش أن توفر لنا أماكن ترفيه واستجمام أو مسابح. لا يمكن ذلك". يستدل عبد المالك على ذلك، بحالة مدينة أينغر بولاية تمنراست، أقصى جنوب الجزائر، حيث لا مسابح للأطفال والشباب. وفي هذه الحالة يتوجه الأطفال الى البرك للسباحة، كما تتوجه العائلات الى الواحات والغابات والمزارع الفلاحية للاستجمام.

في مدينة المسيلة، وسط الجزائر، يسبح الأطفال والشباب في مثل هذه المسطحات أيضاً. وفي أيّ لحظة قد تتحول هذه المغامرة إلى خطر حقيقي على الحياة. يؤكد شباب من المدينة أنّ الولاية بأكملها لا تضمّ أكثر من ثلاثة مسابح، اثنان منها مقفلان، وفي ظل درجة حرارة مرتفعة بأكثر من 40 درجة مئوية في الظل، فإنّ الحل الأصعب هو تنظيم رحلة إلى شواطئ جيجل وبجاية وبومرداس البعيدة، أو الاكتفاء بالسباحة في المسطحات والترع على خطورتها.



منذ بداية شهر يونيو/ حزيران الماضي، هلك ثمانية أطفال غرقاً في هذه الولاية. وأفادت هيئة الحماية المدنية أنّ أحد الأطفال وعمره 11 عاماً، غرق بعد محاولته السباحة في حفرة عميقة خلفها أخْذُ الرمال من أجل مشروع بناء. وفي بلدة الحوامد، غرق طفلان توجها الى ترعة قريبة من مقر سكنهما للسباحة مباشرة بعد إجرائهما امتحانات المرحلة الابتدائية، فلفظا أنفاسهما الأخيرة عندما حاول أحدهما إنقاذ الآخر. اتخذت السلطات عقب ذلك، إجراءات تفرض على الفلاحين الذين تعود إليهم الأحواض المائية المستعملة في الريّ، مراقبتها ومنع السباحة فيها، وإحاطتها بسياج يمنع الوصول إليها.

يؤكد تقرير أخير أصدرته هيئة الدفاع المدني في الجزائر تسجيل وفاة 36 شخصاً غرقاً في مسطحات مائية مختلفة خلال شهر يونيو الماضي في مختلف الولايات. ودفعت هذه الحصيلة الأليمة هيئة الدفاع المدني وهيئة إدارة السدود إلى إطلاق حملة إعلامية مكثفة عبر الصحف والإذاعات المحلية والمركزية والقنوات التلفزيونية لتحذير العائلات والشباب من مخاطر السباحة في البرك والسدود والمسطحات المائية. وتفسر الهيئة زيادة عدد حالات الغرق هذه في كون هذه المسطحات المقصودة غير مجهزة للسباحة أساساً. كذلك، فإنّ تراكم الطمي والطين في أسفلها يسحب السابحين فيها إلى أسفل.




في موسم الصيف تحاول السلطات الجزائرية نقل أطفال الجنوب والمدن الداخلية والهضاب العليا إلى المخيمات الصيفية في المدن الساحلية مجاناً، أو عن طريق الجمعيات والمنظمات، ومن بينها الكشافة. وأعلن وزير الداخلية، نور الدين بدوي، في يونيو الماضي، عن تخطيط الحكومة لنقل الآلاف من أطفال الجنوب الكبير والمدن الداخلية إلى مخيمات صيفية في مدن الساحل، مشدداً على ضرورة استقبالهم بشكل جيد. وهي خطوة تستهدف منح هؤلاء الأطفال فرصة الاستمتاع بزرقة البحر وبالعطلة الصيفية، إسوة بأطفال الشمال ومن دون المخاطرة بحياتهم.

دلالات