وفيات وإصابات في وحدة مصرية للغسل الكلوي: من المسؤول؟

وفيات وإصابات في وحدة مصرية للغسل الكلوي: من المسؤول؟

16 سبتمبر 2018
أمام بوابة المستشفى (العربي الجديد)
+ الخط -

يبدو أنّ الأزمات التي يعاني منها القطاع الصحي في مصر لن تنحسر، بل هي ماضية في التزايد. ولعلّ آخرها الفضيحة التي ذهب ضحيتها مواطنون مصريون خلال خضوعهم إلى الغسل الكلوي في أحد المستشفيات. أمر يستوجب التوقّف عنده.

كشفت وفاة خمسة مرضى مصابين بالفشل الكلوي وإصابة 12 آخرين، من بينهم ستّة في حالة خطرة، في أثناء خضوعهم إلى العلاج بمحافظة الشرقية (شمال القاهرة)، عن الحالة المتردية لهؤلاء الذين يعانون من ذلك المرض في مصر. والوضع يمكن اختصاره بنقص في مستلزمات العلاج من فلاتر لتنقية الدم ومحاليل ملح وأدوية مرتفعة الأسعار، إن وجدت، نظراً إلى موجة الغلاء الجنونية التي طاولت كلّ السلع في مختلف القطاعات بعد القرارات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة المصرية. كذلك، فإنّ أجهزة الغسل الكلوي في المستشفيات الحكومية معطلة دائماً، في حين أن الذين يعمدون إلى تصليحها ليسوا فنيين متخصصين، وهو ما جعل معظمها يتحوّل إلى ناقل للأمراض.

وتواجه وحدات غسل الكلى في مصر، بحسب ما يفيد طبيب عام من المحافظة الشرقية، "العربي الجديد"، "نقصاً في عدد الأطباء، الذين بمعظمهم لا يتابعون صحة المرضى. كذلك فإنّ أطقم التمريض قليلة جداً وتتعامل مع المرضى بحسب المحسوبية والوساطة. أمّا أجهزة التكييف الخاصة بوحدات الغسل الكلوي فهي معطلة، على الرغم من أنّ المرضى يبقون موصلين بأجهزة الغسل الكلوي من ساعتين إلى ثلاث ساعات يوماً بعد يوم ولمدّة ثلاثة أيام أسبوعياً. وكلّ ذلك من شأنه تعريض حياة المريض إلى الخطر، إمّا الغيبوبة وإمّا أزمات قلبية قد تودي به إلى الموت".

ويكشف مسؤول في وزارة الصحة أنّ لجنة الصحة في مجلس النواب طالبت الوزارة بضرورة التحرّك لمواجهة أزمة أجهزة الغسل الكلوي المتهالكة في كل المستشفيات الحكومية، إلا أنّ الوزارة أكدت في تقارير لها أنّ المستشفيات في حاجة إلى أجهزة غسل كلوي جديدة تستورد من الخارج وتقدّر بمليارَي دولار أميركي، لكنّها (الوزارة) لا تملك تلك الأموال. يضيف المسؤول نفسه، الذي فضل عدم الكشف عن هويته، لـ"العربي الجديد"، أنّ "الوزارة طالبت المستشفيات بالتعامل مع الأجهزة الموجودة وإصلاح التالف منها"، مشيراً إلى أنّ "الوزارة متهمة كذلك بعدم توفير الأجهزة الجيدة للمستشفيات".




من جهته، يقول أستاذ أمراض الكلى، الدكتور عادل حسين، إنّ "الأزمات التي تمسّ حياة المصابين بالفشل الكلوي في البلاد تزايدت بصورة كبيرة، خصوصاً خلال الفترة الماضية. ثمّة نقص دائم بالمحاليل الضرورية في عملية الغسل الكلوي وكذلك بفلاتر غسل الكلى، إلى جانب الأزمة المتعلقة باستيراد أجهزة غسل كلوي جديدة بسبب نقص العملة الأجنبية والدولار تحديداً". ويشير بحديثه لـ"العربي الجديد" إلى أنّه "لا تتوفّر إحصائية دقيقة عن عدد المرضى المصابين بالفشل الكلوي في مصر، إلا أنّ العدد في ازدياد. وهو ما يُعَدّ كارثة كبيرة يجب على الدولة العمل على مواجهة أسبابها للحدّ من تبعات المرض، هذا الغول الذي يدمّر صحة المصريين من كل الأعمار". ويوضح حسين أنّ "نقص المستلزمات الطبية المهمة للمصابين بالفشل الكلوي يُعَدّ قضية أمن قومي. ولا بدّ للدولة أنّ تتحمل مسؤوليتها في علاج المرضى ومتابعتهم، في حين أنّ نقص الأطباء المتخصصين في أمراض الكلى يمثّل أزمة حقيقية تعاني منها أقسام الكلى في المستشفيات الحكومية".

في السياق، أبدى المركز المصري للحق في الدواء انزعاجه الشديد من مأساة المرضى الذين يخضعون إلى غسل كلوي في مصر، نظراً إلى ما يواجهونه من مخاطر، لا سيّما تعرّضهم إلى فيروسات في أثناء عمليات الغسل وبالتالي تعرّض المئات منهم إلى الموت يومياً في ظلّ تجاهل وزارة الصحة مطالبهم.

وتُعَدّ أمراض الكلى خطراً كبيراً يغزو مصر بشراسة، على خلفية ارتفاع عدد المرضى المصابين بالسكري وبارتفاع ضغط الدم وكذلك نتيجة ما يُستهلك من أطعمة مسرطنة إلى جانب تلوّث المياه في محافظات كثيرة. ولم تعد قرية أو مدينة تخلو من مرض كلوي. يُذكر أنّ نحو مليونَي مريض مصاب بالفشل الكلوي يعيشون في مصر، وهم بمعظمهم دون الخمسين من عمرهم، من دون احتساب المرضى على قوائم الانتظار اليومية. وتتصدّر مصر قائمة الدول العالمية لجهة ارتفاع نسبة وفيات المرضى المصابين بالفشل الكلوي، إذ إنّ 30 في المائة من المرضى يموتون سنوياً في حين لا تتجاوز النسب العالمية للوفاة بهذا المرض‏ سبعة في المائة. وهو ما يعيده الأطباء إلى سوء الخدمات الطبية وتردّي أحوال معظم وحدات الغسل الكلوي.




تجدر الإشارة إلى أنّ محافظ الشرقية، الدكتور ممدوح غراب، اتّخذ قرار تشكيل لجنة للتحقيق العاجل في حادثة وفاة المرضى الخمسة نتيجة الغسل الكلوي الذين كانوا يخضعون إليه في مستشفى ديرب نجم المركزي، وتحديد أسباب تلك الوفيات والإصابات. وأكد غراب أنّه لن يتهاون في هذا الأمر وأنّه سوف يحيل المقصّرين إلى النيابة العامة. أمّا النائب العام المصري، المستشار نبيل صادق، فقد فتح تحقيقاً عاجلاً وموسعاً حول الواقعة، لتحديد أسباب الإصابات والوفيات والمتسبب فيها وكذلك المسؤولية الجنائية عنها، إلى جانب التحفظ على أجهزة الغسل الكلوي في المستشفى.

دلالات

المساهمون