هولندا تحاول حماية أراضيها المنخفضة من الفيضانات

هولندا تحاول حماية أراضيها المنخفضة من الفيضانات

أمستردام

ثائر السهلي

avata
ثائر السهلي
15 سبتمبر 2018
+ الخط -

تبيّن الدراسات أنّ الفيضانات تتهدد نحو ثلثَي أراضي هولندا، الأمر الذي دفع السلطات المعنية إلى اتخاذ إجراءات ووضع خطط من شأنها التخفيف من حدّة الآثار الخطرة التي قد تخلّفها تلك التهديدات في البلاد.

الهندسة المائية والتحكم بالفيضانات وأمواج تسونامي من القضايا الرئيسية بالنسبة إلى هولندا التي تكوّن نصفها تقريباً على سبخات ومستنقعات رُدمت وجفّفت على مدى قرون بواسطة تقنيات مبتدعة، من أجل استغلال الأراضي الجديدة في الزراعة والسكن. كذلك، تجري فيها أنهار عدّة، من بينها ما يُعَدّ من أنهار أوروبا الرئيسة من قبيل ماس (ميز) وراين. وسلطات المياه في هولندا من أقدم الهيئات التي تأسست في البلاد، وقد ترأسها في الماضي نبلاء ووجهاء من المدن والمقاطعات التي توزّعت تلك السلطات عليها.

إلى جانب التقنيات والهندسة والمشاريع الضخمة، تُعَدّ مراعاة سلامة البيئة والتوعية حول مخاطر التلوّث والتغيّر المناخي منهجاً في عالم الصناعة أو الثقافة العامة أو حتى السياسة الضريبية على السيارات والمشاريع الوقائية والسدود المانعة للفيضانات. وتُعَدّ شبكة قنوات المياه التي تتركز في شمال البلاد وغربها، فضلاً عن السدود والبحيرات الداخلية، أساسيّة في خطة الحدّ من أخطار الفيضانات لتصريف المياه وتوزيعها. من جهتها، طواحين الهواء لها دور أساسي في استصلاح الأراضي وضخ المياه من مكان إلى آخر، وهو ما ساهم في تطوّر هولندا زراعياً وتأمين مساحة إضافية للسكن، علماً أنّها من أكثر مناطق العالم كثافة سكانية. يُذكر أنّ آخر المقاطعات المستصلحة بصورة شبه كاملة هي مقاطعة فليفولاند. واليوم، تتيح التكنولوجيا ما يفوق قدرة الطواحين التقليدية على ضخّ المياه من منطقة منخفضة إلى الأعلى، وتسمح بالتحكم بمستوى مياه القنوات والأنهار بما يسمح بالملاحة النهرية وعبور القوارب التجارية والخاصة محلياً وأوروبياً.

تهدد الفيضانات ثلثَي أراضي هولندا البالغة مساحتها 41 ألف كيلومتر مربع تقريباً، نظراً إلى أنّها تقع إمّا تحت سطح البحر (26 في المائة من الأراضي) أو ما يقارب مستوى سطحه (50 في المائة). فالأمواج الضخمة ومصدرها بحر الشمال، والتغيّر المناخي، وذوبان الجليد في القطب الشمالي وبالتالي ارتفاع منسوب مياه المحيطات، وارتفاع منسوب مياه البحر عالمياً، كلّ ذلك يهدد باختفاء وغرق قسم كبير من هولندا مثلما حدث في عام 1953 حين تعرّضت إلى أعنف موجة فيضانات تسبّبت فيها عاصفة في بحر الشمال، وأدّت إلى مقتل نحو ألفَين من السكان إلى جانب خسائر مادية فادحة نجمت عن غرق مقاطعات عدّة بمياه البحر. وهو ما دفع أمستردام إلى التفكير والشروع في تطبيق مشاريع كبرى للتحكم بالفيضانات وأمواج البحر في العالم، هي كناية عن سدود وحواجز مائية. وفي إطار ما سمي "خطة دلتا"، أطلقت مشاريع خلّاقة تتحكم بمستويات المياه التي تشكل 20 في المائة من مساحة هولندا، ومياه البحر، كلّفت الخزينة العامة لغاية عام 2007 ثروة بأكملها وقصّرت طول الشريط الساحلي من 2600 كيلومتر إلى 880 كيلومتراً.

تكثر القنوات في البلاد (العربي الجديد)

يساهم جميع سكان البلاد من خلال ضريبة سنوية، في تطوير السدود والموانع وصيانتها واكتشاف العيوب قبل وقوع الكارثة، في حين تساهم سدود وتصاميم بتمويل ورعاية الشبكة العملاقة من خلال توليد الطاقة الكهربائية. يُذكر أنّ تلك الشبكة لا تملك شكلاً هندسياً واحداً، فأجزاء منها بوابات عملاقة في البحر تغلق عند الخطر وأجزاء أخرى تلال رملية تمتد لأميال، والأعلى من بينها لا يتعدى ارتفاعها 12 متراً. بالنسبة إلى الهولنديين، فإنّ سدودهم "ليست الأعلى لكنّها الأذكى" بحسب وصف وسائل إعلام هولندية. إلى ذلك، تبدو هولندا من الناحية الهندسية مستعدة لسيناريوهات فيضانات كبيرة من خلال السدود الدفاعية وقنوات التصريف، بالإضافة إلى 23 سلطة محلية متخصصة في مختلف المقاطعات تراقب كفاءة نظام التحكم وجودة المياه بصورة دائمة، ومن خلال سياساتها البيئية المحلية والدولية. وهي تسعى إلى سلامة البيئة وحمايتها على الصعيد العالمي، نظراً إلى تأثرها بالتغيّر المناخي والاحتباس الحراري على الرغم من مراعاتها الشروط البيئية محلياً. فمصدر الخطر هذا ليس في نطاق تحكّمها بصورة كاملة، إذ إنّه من الصعب أن يحقق أيّ تصميم أو خطة وقائية وطنية سلامة البلاد وسكانها في حال ارتفع منسوب مياه البحار عالمياً.

بالإضافة إلى شبكة السدود والجسور الممتدة على مساحة 22 ألف كيلومتر اليوم، فإنّ القنوات المائية المتركزة في شمالي هولندا وغربها والمرتبطة بمجاري نهرَي الراين وماس وامتدادها إلى ألمانيا وبلجيكا، تمثّل أحد أشكال ضبط مستوى المياه وتوزيعها. ما يقارب 30 في المائة من خطر الفيضانات يتأتى من مياه الأنهار الكثيرة، إلا أنّ تلك القنوات والأنهر تمثّل شرياناً لنقل البضائع ولحركة القوارب بين المدن والدول الأوروبية المجاورة. ميناء روتردام على سبيل المثال، يُعَدّ ميناء أوروبا الأول، لذا تنشط حركة النقل النهري بين ألمانيا وهولندا وبلجيكا، ومنها إلى العالم بمئات مليارات اليورو.




وفي خلال الشهر الماضي، أعلن عن مشروع جديد يربط هولندا بفرنسا عبر قناة مائية تمرّ ببلجيكا، ومن المتوقع أن يصل المشروع موانئ هولندية وبلجيكية بباريس. يُذكر أنّ قسماً من القناة موجود بالفعل ويشهد تبادلاً تجارياً بين هولندا وبلجيكا، بينما يجري العمل حالياً على تعميقه في بعض المواقع، في انتظار أعمال الحفر في الجانب الفرنسي.

ذات صلة

الصورة
ناج من زلزال سورية (العربي الجديد)

مجتمع

بعد نجاته من الموت الذي خطف أفراد أسرته، بات حلم حمزة الأحمد (17 عاماً)، أن يكون لديه طرف اصطناعي ذكي عوضاً عن القدم التي فقدها في زلزال فبراير.
الصورة

مجتمع

تتزايد مخاوف الفلسطينيين في غزة من فيضان مياه بركة "الشيخ رضوان" شمالي المدينة، مع دخول المنخفض الجوي وتساقط الأمطار بغزارة على القطاع.
الصورة
عمال بحث وإنقاذ في درنة في ليبيا (كريم صاحب/ فرانس برس)

مجتمع

بعد مرور أكثر من أسبوع على الفيضانات في شمال شرق ليبيا على خلفية العاصفة دانيال، لا سيّما تلك التي اجتاحت مدينة درنة، وتضاؤل فرص الوصول إلى ناجين، صار هاجس انتشار الأوبئة والأمراض يثير القلق.
الصورة
دمر الفيضان عشرات المنازل كلياً في درنة (عبد الله بونغا/الأناضول)

مجتمع

ترك الفيضان كارثة كبيرة في مدينة درنة الليبية، كما خلف آلاف الضحايا، وقد تدوم تداعياته الإنسانية لسنوات، فالناجون تعرضوا لصدمات نفسية عميقة، وبعضهم فقد أفراداً من عائلته، أو العائلة كلها.

المساهمون