"العربانة" رزق العاطلين من العمل في العراق

"العربانة" رزق العاطلين من العمل في العراق

12 سبتمبر 2018
في واحد من أسواق العاصمة (العربي الجديد)
+ الخط -
في شوارع وأسواق عدد كبير من المدن العراقية، تنتشر "العربانات" لتترجم حجم الأزمة المعيشية في البلاد والبطالة التي يعاني منها كثيرون

"العربانة" قد تكون من أفضل ما يوفَّق به العراقي الباحث عن فرصة عمل. هذه حقيقة بالنسبة إلى كثيرين، مع الإشارة إلى أنّ العربانة ما هي إلا العربة التي تأتي بأنواع مختلفة، وهي إمّا تُدفَع وإمّا تُجَرّ من قبل أصحابها أو من قبل خيول أو حمير. و"العربانة" ليست أمراً مستجداً في شوارع العراق، ولا استخدامها كمصدر للرزق. واليوم، يرتبط انتشارها في البلاد بالظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها العراقيون والتي فرضت عليهم إيجاد أيّ وسيلة ممكنة لكسب الرزق تنقذهم من البطالة.




"كل شيء ممكنٌ بيعه على العربانة". هذا ما يقوله واثق فرهاد الذي يعرض على عربته أكثر من 150 منتجاً، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أنّ "عربتي محل مصغر لبيع أدوات كهربائية وعدّة يدوية ومنزلية". وفرهاد الذي يتخذ من سوق الباب الشرقي، وسط بغداد، نقطة تمركز لعربته، يشير إلى أنّ "العربانة توفّر احتياجات عائلتي اليومية منذ أكثر من ستّة أعوام". يضيف: "لديّ اليوم عدد كبير من الزبائن، وأنا لا أدفع أيّ بدل في مقابل عملي وسط هذا السوق. لا كهرباء ولا ضرائب، وهذا أمر جيّد بالمقارنة مع المحال التي تبيع البضائع نفسها". في المقابل، يقول فرهاد إنّ ثمّة جهداً مضاعفاً يستوجب بذله ومتاعب أكبر تستلزم المواجهة، شارحاً أنّ "عملي في الشارع يعرّضني إلى مختلف الأحوال الجوية، عند ارتفاع درجات الحرارة صيفاً وانخفاضها شتاءً، وعند هطول الأمطار أو اشتداد العواصف الترابية".

في المناطق التجارية، تُعتمد العربانة في نقل البضائع، لا سيّما أنّ أسواق الأقمشة والألبسة والأدوات المنزلية والمواد الغذائية والصناعية والكهربائيات وغيرها تمتد على مساحات كبيرة وتتداخل المحال والمخازن في أزقة ضيقة، الأمر الذي يستوجب استخدام العربات في نقل البضائع بين المخازن ومحلات العرض وفي تفريغ وتحميل البضائع. بالتالي، لا بدّ من عدد كبير من العربات يعمل عليها أشخاص تتطلب طبيعة عملهم التمتع بقوة بدنية كبرى.

جواد مزعل من العاملين في تلك الأسواق، يقول لـ"العربي الجديد" إنّه سعيد بعمله الذي يقتضي نقل البضائع على عربته وإيصالها إلى المكان المطلوب ومن ثمّ تفريغها، مشيراً إلى أنّ "ما أجنيه من عملي في أثناء النهار مكّنني من تأسيس عائلة".

ومزعل كان قد تخرج من كلية الإدارة والاقتصاد قبل تسعة أعوام، لكنّه لم يتمكن من الحصول على وظيفة في الدوائر الحكومية، فعمل بنصيحة صديق له وتوجّه إلى سوق الشورجة التجاري المعروف في بغداد. يضيف أنّ "كل ما كان علي فعله هو شراء عربانة قوية تتناسب وطبيعة عملي، إذ إنّ أنواع العربانات المستخدمة في هذا السوق تختلف". يُذكر أنّ عربانة مزعل تعمل بطريقة الجرّ مع عجلتَين قويتَين وقاعدة ومسند طويل، وهي قادرة على حمل بضائع بأوزان تتخطّى 250 كيلوغراماً. ومزعل الذي يملك بنية قوية، يقول إنّ ممارسته الرياضة مكّنته من الاستمرار في مهنته المتعبة، موضحاً "أعمل لنحو تسع ساعات في اليوم، وأنقل في اليوم الواحد بضائع يتراوح مجموع أوزانها ما بين ثلاثة أطنان وعشرة، بحسب حركة العمل". ويؤكد أنّ "المردود المادي الجيد يجبرني على الاستمرار في مزاولة هذه المهنة".



عند أطراف العاصمة بغداد، يعتمد بعض المواطنين في معيشتهم على جمع القطع البلاستيكية والمعدنية من مكبات النفايات. ويوضع ما تمّ جمعه في أكياس كبيرة ليُنقل إلى مكان خاص، ويُصار الاعتماد هنا إمّا على مركبات مع أحواض وإمّا على "العرباين" الكبيرة التي تجرّها الخيول. في السياق، يخبر الشاب سلام عبد الحسن "العربي الجديد" أنّ "عائلتي معروفة بتربية الخيول وبيعها وصناعة العرباين التي تجرّها الخيول، وأقاربي يعملون بمعظمهم في مهن تعتمد على هذه العرباين". يضيف أنّ "ذلك بدأ ينقرض، قلّة اليوم تعتمد في أعمالها على عرباين تجرّها الخيول. وقد بدأت الستوتات (دراجات نارية مع أحواض) تبعد العرباين عن الساحة".

واللافت أنّ شباناً كثيرين جعلوا العرباين التي يعملون عليها جاذبة للنظر، فزيّنوها وزوّدوها بأجهزة صوتية تصدح بالأغاني والموسيقى، وقد ذهب البعض إلى تزويدها بشاشات لعرض الأغاني المصورة والمسلسلات التي تحظى بمتابعات عالية. أمّا البضاعة التي يبيعها صاحب العربانة فقد تكون بسيطة، كالعصائر أو البوظة (المثلجات) أو الأكلات الشعبية المعروفة مثل "اللبلبي" (الحمص المسلوق) و"الباقلاء" (الفول) المسلوقة. يُذكر أنّ اللبلبي والباقلاء يُقدّمان في صحون صغيرة وتُضاف إليها المطيّبات.

أكرم زامل طالب جامعي، يحرص على أن تكون عربانته نظيفة وبرّاقة، "فهي باب رزقي". ويقول لـ"العربي الجديد" إنّه "في مساء كل يوم، أبيع اللبلبي. عملي يبدأ عند الساعة الخامسة عصراً وينتهي عند الحادية عشرة من قبل منتصف الليل. لديّ عدد كبير من الزبائن، وهم جميعهم يقولون إنّ ما جعلهم يلتزمون بشراء اللبلبي منّي هو نظافة العربانة والبهرجة". وزامل الذي يدرس اللغة الإنكليزية لا يعير نظرة الآخرين أيّ أهمية، مؤكداً أنّه "عند خروجي من البيت تملأني السعادة، لا سيّما وأنّ والدتي تدعو لي بالحفظ والسلامة والرزق الوفير. من عملي على العربانة، تعيش عائلتنا. فوالدي توفي في حادث مروري قبل أكثر من عشرة أعوام، وراتبه التقاعدي لا يفي متطلبات أسرتنا".




من جهته، بدأ غانم العوادي حياته المهنية بالعمل على عربانته الصغيرة قبل أكثر من ثلاثين عاماً، وكان ينقل البضائع بين معامل خياطة في شارع الرشيد ببغداد. وخبر تجارة الأقمشة والخياطة، فاستدان مبلغاً من أقارب له وبدأ يعمل في تجارة الأقمشة. يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "الله فتح عليّ باب الرزق ومن تجارة الأقمشة خبرت أساليب تجارية مختلفة. واليوم أعمل في مجال تجارة الأجهزة الكهربائية". ويؤكد أنّه "بكل فخر أقول إنّ الفضل يعود للعربانة التي فتحت المجال أمامي للاطلاع على أسرار المعامل والتجار. وما زلت أحتفظ بها في مخزن خاص داخل بيتي، فهي من أثمن الحاجيات التي أملكها".

دلالات