درس قيادة

درس قيادة

29 اغسطس 2018
المسألة تحتاج أكثر من توقيع الغرامات (حسين بيضون)
+ الخط -
ليست مفاجأة أو شيئاً خارجاً عن قدرة العقل على تخيله، ففي لبنان لا معنى للمفاجآت إذ إنّ كلّ شيء محتمل في البلد الصغير الذي يشهد على كثير من الفوضى في أيام سلمه، كما شهد على مثلها في أيام حروبه العديدة. كان حاجز قوى الأمن المتنقل قد بدأ نوبته على أحد طرقات العاصمة، فركن العناصر سياراتهم ووقفوا بأسلحتهم ومعهم عوارض حديدية ثابتة وقطعة متحركة يمكن رميها تحت إطارات أيّ سيارة تحاول الهرب. ضاق الطريق وبات المرور سيارةً سيارةً فحسب، لكنّ الهدف لم يكن السيارات بل الدراجات النارية، بدليل احتلال الرافعة مكاناً خلفهم، وهي الشاحنة التي تُرفع فوقها الدراجات المخالفة والمصادرة.

مع ذلك، فقد خالف العناصر هدف مهمتهم، وحجزوا سيارة مع مرافق سائقها وليس سائقها. المسألة أنّ السيارة كان يقودها طفل دون العاشرة يجلس على عدد من الوسائد كي يتمكن من رؤية الطريق وهو خلف المقود، بينما يجلس والده المزهو به إلى جانبه، معلناً لعناصر الحاجز أنّه يعطي ابنه درس قيادة.

احتجز الرجل قليلاً، مع بعض التأنيب، وسمح له بالمغادرة مع ابنه إلى جانبه هذه المرة وليس خلف المقود. فمضى وهو يتبادل المزاح مع العناصر.

هو درس قيادة لطفل ممنوع عليه أن يقود قبل أن يبلغ ثماني عشرة سنة، في المبدأ، أي حين يصبح من حقه استصدار رخصة قيادة، علماً أنّ الرخصة ليست مشكلة في لبنان، فهي ككثير من الأمور يمكن الحصول عليها من دون تدريبات تسبقها ومن دون امتحانات جدية بالنسبة للبعض.




الدرس الذي يقدمه الرجل لولده هو، على الأرجح، غير تابع إلى منظومة تحترم حقوق السائقين الآخرين، والمشاة، والقانون، وقبل كلّ شيء شروط السلامة العامة بدليل وضعه على طرقات تشهد مخالفات وحوادث سير عديدة. هذا النوع من الفوضى هو ما يسمح أساساً بانتشار المخالفات المؤدية إلى الحوادث المميتة أحياناً، وهو الذي يشيع ثقافة الاستخفاف بقوانين السير، خصوصاً أنّ الردع عبر الغرامات وحجز المركبات أثبت مرة بعد مرة فشله، ولم ينفع إلاّ خزينة السلطة التي تنهب جيوب المواطنين بهذه الطريقة. السلطة نفسها لا تقدم لهم في المقابل التدريب اللازم والتجهيز المتكامل للطرقات، ولا تشيع بينهم ثقافة احترام قواعد السلامة العامة، واحترام القوانين، مهما كثرت الدروس المنادية بها في كتب التربية الوطنية والتنشئة المدنية، إذ تبقى بلا فعالية في غياب التطبيق وبقاء التربية على مستوى نظري يُنسى حال مغادرة الفصل.

المسألة تحتاج إلى منظومة متكاملة تلحظ الواجبات ومعها الحقوق في الوقت عينه. تلك المنظومة التي تبني المواطن الحقيقي الذي يحترم حقوق الآخرين، كي لا يكون درس القيادة ذاك نموذجاً ربما لقيادة من نوع آخر... قيادة الناس والبلاد.

دلالات

المساهمون