عيد ليبيا وسط الأزمات

عيد ليبيا وسط الأزمات

22 اغسطس 2018
صلاة العيد في طرابلس (حازم تركية/ الأناضول)
+ الخط -
اليوم، ثاني أيام عيد الأضحى، هذه المناسبة التي يُعدّها المسلمون حول العالم "العيد الكبير". ويستمرّ الاحتفال به، على الرغم من الأزمات المختلفة، لا سيّما في ليبيا

لا يتميّز عيد الأضحى هذا العام عن الأعياد السابقة في ليبيا، فهو يأتي وسط أزمات متلاحقة تطاول المواطن، لا سيّما عدم توفّر السيولة النقدية وارتفاع الأسعار الفاحش من جرّاء الانهيار الاقتصادي في البلاد. وقبل نحو عشرة أيام من العيد، انتشر باعة الأضاحي على طول الطرقات في معظم المدن الليبية، وراح المواطنون يتحلّقون حولهم للسؤال عن الأسعار، لكنّهم بمعظمهم عادوا إلى بيوتهم صفر اليدَين. فالأسعار تضاعفت هذا العام ثلاث مرات، ليسجّل متوسط سعر الأضحية ألف دينار ليبي (نحو 720 دولاراً أميركياً).

ما زال فراس المسلاتي (17عاماً)، يتذكر العيد قبل أن تغرق البلاد في أزماتها الحالية، ويحكي عن "ذبح الأضاحي والتوجّه جماعة إلى مسجد الحيّ للصلاة، بالإضافة إلى مظاهر الفرح عند تناول الأسرة لحم الأضحية. كلّ ذلك ما زال عالقاً في ذاكرتي". لكنّه يسأل بأسى: "أين جيراننا اليوم ورفاق الصبا وأين أعمامي؟"، قبل أن يجيب نفسه "لقد صرنا شتاتاً في أكثر من مدينة منذ تهجيرنا من بنغازي".

وفراس عيّنة من عدد كبير من الليبيين يعانون ظروف التهجير القسري بسبب الحرب وتهدّم المنازل، الأمر الذي أفقده فرحة العيد. يُذكر أنّ مظاهر الاحتفال بعيد الفطر تتراجع في عيد الأضحى، إذ إنّ الناس يركّزون اهتمامهم على شراء الأضحية في حين أنّ الإقبال ضعيف على شراء الملابس الجديدة وتزيين السيارات. أمّا التواصل الأسري لتبادل التهاني بالعيد فمستمرّ، إلى جانب انهماك الأطفال بألعابهم الجديدة.



عن الصعوبات التي تحدّ من الفرح بعيد الأضحى خلال الأعوام الأخيرة، يقول خليفة بوشاح، وهو ربّ أسرة من منطقة تاجوراء، إلى شرق العاصمة طرابلس، إنّ "ارتفاع أسعار الأضاحي الفاحش سُجّل خلال الأعياد الماضية، لكنّه جاء أكثر إجحافاً في حقّ المواطنين هذا العام". يضيف أنّ "ثمن الشاة الهزيلة يبلغ نحو 700 دينار (نحو 500 دولار)، وهو رقم يساوي راتب مواطن ليبي".

في مقابل طريق تاجوراء الرئيسي، ينتشر تجار الأغنام بالعشرات لبيع الأضاحي. عند السؤال عن أسباب ارتفاع الأسعار، يقول أحدهم: "مثلما تعلمون، فإنّ عدم توفّر العملة الأجنبية لاستيراد الأعلاف سبب رئيسي جعلنا نشتريها بأسعار عالية من السوق السوداء، ونستورد على حسابنا. وهو أمر ينعكس على أسعار الأغنام بالتأكيد". ويؤكد أنّ "أسعار صرف الدولار الأميركي في السوق السوداء أدنى ممّا كانت عليه في العام الماضي، غير أنّ الإمكانية كانت متاحة في ذلك العام لفتح اعتمادات لاستيراد الأعلاف".

وسعياً منها إلى التوصّل إلى حلول، وافقت حكومتَا طرابلس والبيضاء في الشرق الليبي على استيراد الأغنام من دول أجنبية مثل إسبانيا ورومانيا وغيرهما. وتعرضها الشركات المستوردة لا سيّما في الخمس ومصراته، إلى شرق طرابلس. وعلى الرغم من عرضها بأسعار مناسبة لا تتعدى 400 دينار (نحو 290 دولاراً)، إلا أنّ الإقبال عليها ضعيف.

ويوضح بوشاح أنّ "المانع هو ثقافة المجتمع التي تعلي من شأن الأغنام الوطنية وترى أنّ الأغنام الأخرى لا تفي بغرض الأضحية"، مشيراً إلى "انتشار شائعات عبر صفحات التواصل الاجتماعي مفادها إصابة الأغنام المستوردة بأمراض. فثمّة مانع شرعي لذبح الأضحية غير المعروفة، إذ إنّها ربما تكون مريضة، وبذلك لا يكون الذبح نسكاً شرعياً. كذلك فإنّ مضاعفات هذه الأمراض على أسرنا سبب آخر يجعل المواطن يعزف عنها". يضيف بوشاح أنّ "ثمّة تجاراً يعرضون بيع الأضاحي الوطنية بصكوك مصدقة من البنوك. لكنّهم تجار جشعون، إذ إنّ الشاة التي تساوي ألف دينار (نحو 720 دولاراً) نقداً تُعرض بالصك المصدق بمبلغ أعلى يصل إلى ألفَي دينار (نحو 1450 دولاراً).



في السياق، فإنّ الصعوبات التي تواجه المواطن كثيرة، منها عدم تمكنه من سحب أمواله من البنوك بسبب عدم توفّر السيولة. وقد بقيت مقار البنوك تشهد ازدحاماً وطوابير طويلة حتى يوم الإثنين الماضي، وقفة العيد، الذي يُعَدّ عطلة رسمية في البلاد. وكان بنك ليبيا المركزي قد أصدر قراراً بذلك يشمل المصارف التجارية. تجدر الإشارة إلى أنّ مدناً ليبية كثيرة شهدت ازدحاماً أمام مقار البنوك التجارية التي أكدت عدم إمكانية المواطنين سحب أموالهم بالكامل. فالمتوفر بسبب أزمة السيولة هو ثلث قيمة الرواتب فقط، ما يعني متوسط 300 دينار (نحو 210 دولارات) لكل مواطن.

على الرغم من كل ما يعدّه الليبيون "صعوبات"، إلا أنّ عيد الأضحى في البلاد ما زال يحتفظ ببعض مظاهر الفرح. وقد بدا ذلك واضحاً في يوم عرفة من خلال حركة التسوق لشراء لوازم الذبح والشواء وغيرهما. وينقسم البيت الليبي عادة في عيد الأضحى كما هي الحال في عيد الفطر، بين الرجال الذين يبدأ الاحتفال عندهم بالذهاب إلى المساجد ولقاء الأصدقاء والأقارب لتبادل التهاني، وبين النساء اللواتي يعملنَ على الاستعداد في البيت لتوفير مستلزمات ذبح الأضحية ومكانها وموائد الشواء التي تجتمع حولها الأسرة كاملة ظهيرة يوم العيد. يُذكر أنّ التواصل بين الأقارب والأصدقاء لتبادل التهنئة بالعيد يؤجّل إلى ثاني أيام العيد (اليوم الأربعاء)، فتتفرغ الأسر للزيارات المتبادلة.