كلفة باهظة لزيارة بيت الله

كلفة باهظة لزيارة بيت الله

20 اغسطس 2018
من كشمير الهندية إلى مكة المكرمة (ياوار نظير/ Getty)
+ الخط -
بالترافق مع التطور العمراني الكبير الذي تشهده مكة المكرمة، وإزالة الأحياء القديمة والبيوت الأثرية، وبناء ناطحات سحاب بدلاً منها، تضاعفت أسعار الحج عدة مرات، ما جعل الكثير من ذوي الدخول المتوسطة والضعيفة يحجمون عن الحج أو يتحملون الديون من أجل أداء هذه الفريضة.

خلال العقدين الأخيرين، تضاعفت أسعار الحج بشكل جنوني بسبب ارتفاع إيجارات السكن في الفنادق الضخمة الغالية الثمن والتي بنيت على أنقاض بعض بيوت الصحابة والبيوت الأثرية في مكة المكرمة. زادت السلطات السعودية الطين بلّة عبر فرضها ضريبة القيمة المضافة هذا العام، لترتفع أسعار الحج مرة أخرى بنسب تراوحت بين 5 في المائة و10 في المائة، بالإضافة إلى فرض رسوم أخرى على الخدمات المقدمة مثل قطار المشاعر، كما رسوم مكاتب المطوفين ورسوم خيام عرفات ورسوم كهرباء وماء مشعر منى، بحسب أصحاب حملات الحج حول العالم.




يقول، أحمد عبد المنعم مراد، وهو مصري مقيم في الكويت سيؤدي شعائر الحج هذه السنة من حصة الكويت المقررة من الحجاج لـ"العربي الجديد": "الرسوم باهظة وغير متوقعة، 3 آلاف دينار كويتي (10 آلاف دولار أميركي) هو المبلغ الذي دفعته من أجل الذهاب إلى الحج في حملة متوسطة المستوى، ليست بالفخمة ولا بالمتواضعة. اضطررت للحصول على قرض من عملي للذهاب إلى الحج". بسؤاله عما إذا كان المبلغ عائداً لكونه منطلقاً من الكويت، يجيب مراد: "المبلغ سيان بالنسبة لي ولأقاربي الذين يحجون من مصر بنفس مستوى الحملة، بل إنّ هناك بعض الرسوم غير الموجودة في الكويت، وتتواجد في مصر ويدفعها الحاج مجبراً، حتى باتت رحلة الحج اليوم أشبه بالجباية".

تقول مريم العجمي لـ"العربي الجديد" إنّها دفعت أكثر من 13 ألف دولار أميركي للحج، بالرغم من أنّها قبل 7 سنوات دفعت 6 آلاف دولار للحملة نفسها، والخدمات المقدمة على حالها.

يلقي مسؤولو حملات الحج باللائمة على الرسوم الباهظة المفروضة من الحكومة السعودية على كل شيء تقريباً وفق ما يقول يوسف التميمي وهو مدير إحدى حملات الحج الكويتية. يبرر يوسف موقفه، فيقول لـ"العربي الجديد": "نحن رجال أعمال ونريد الحصول على أرباح، والزيادات التي تلجأ إليها الحملات كلّ عام سببها شيء واحد، هو تضاعف أسعار السكن الذي تشرف عليه الجهات المنظمة للحج، بالإضافة إلى رسوم جديدة كلّ عام". يضيف: "الزيادة هذه السنة ليست كبيرة جدًا إذ لا تتجاوز 15 في المائة، لكن في الأعوام الخمسة الأخيرة تضاعفت بشكل ملحوظ لا يمكن قياسه. معدل الأسعار في الكويت وبقية الدول الخليجية وبعض الدول العربية يبدأ من 2000 دينار كويتي (6600 دولار) وينتهي إلى 7000 دينار (23 ألف دولار) فالحجاج من الطبقات المتوسطة بات من الصعب عليهم الذهاب، خصوصاً مع التضييق على الحجاج غير النظاميين الذين كانوا يتسللون عبر الطرقات البرية". يتابع: "أسعار تأجير البنايات تصل إلى 1500 دينار كويتي عن كلّ فرد (5 آلاف دولار) بالإضافة إلى رسوم قطار المشاعر والنقل ورسوم الكهرباء والماء والمأكل والمشرب وغيرها... ستجد أنّنا لا نربح سوى الفتات".

في المجمل، فإنّ السبب الرئيس لارتفاع كلفة الحج، وهي الفريضة التي يجب على المسلم القادر أن يؤديها مرة واحدة في حياته، يعود بحسب المراقبين والمهتمين بشؤون الحرم المكي إلى السياسات السعودية الخاطئة في الهدم والبناء، إذ هدمت جميع أماكن السكن الرخيصة والمتوسطة، وبنت فنادق عالمية ضخمة، حتى بلغ سعر المتر المربع الواحد حول الحرم المكي أكثر من 400 ألف دولار، وهو مبلغ قياسي لم تصل إليه كبريات مدن العالم الضخمة.

في هذا الإطار، يوجه مؤسس "مجموعة الحفاظ على آثار مكة المكرمة والمدينة النبوية من العبث والهدم"، أحمد المبارك، اللوم، إلى "رجال الأعمال الذين وظفوا الدين، والتخفيف عن الحجاج، للدفع نحو هدم الآثار القديمة والفنادق والخانات العتيقة وبناء سلسلة فنادق فخمة مكانها بعد حصولهم على عمولات ضخمة من قبل مالكي الفنادق الأصليين" كما يقول لـ"العربي الجديد". يشرح المبارك الذي وزعت مجموعته عدة منشورات في ساحات لندن ونيويورك حول إنقاذ ما تبقى من الحرم المكي من التجار السعوديين: "بنت الحكومة السعودية برج الساعة، وهو برج بشع يطلّ على الكعبة، وبالرغم من أنّ الفنادق الموجودة في البرج وقف لله، فقد ساهمت بمضاعفة أسعار المنطقة المحيطة بها بطريقة جنونية، إذ يتوجب على الحاج الفقير أن يسكن بعيداً جداً عن الحرم وبكلفة لا يمكن الاستهانة بها أيضاً. وصحيح أنّ السلطات السعودية لا تتقاضى أيّ مبلغ من برج الساعة، لكنّ رجال الأعمال من أمراء الأسرة الحاكمة وحلفائهم من التجار المتنفذين حصلوا على عقود مليارية ضخمة عبر هذا المشروع".

يدافع أحمد كثير، وهو مدير مؤسسة حكومية تعمل على تطويف حجاج شرق آسيا، عن خطوات السلطات السعودية، ويعتبرها ضرورية لاستيعاب عدد الزوار والمحافظة على الأمن والنظام والشكل العام للحج والعمرة. يضيف: "هناك نقطة واضحة أتفق فيها مع المنتقدين، وهي أنّ التوسع العمراني وبناء الفنادق زاد من الأسعار بنسبة كبيرة، لكنني أعتقد - كما تعتقد الحكومة السعودية - أنّ وجود هذه الفنادق على أنقاض البنايات القديمة ضروري لمجاراة الزمن وإلاّ أصبحت مكة مدينة عتيقة ترمى فيها النفايات مثل المدن العربية القديمة التي فضلت إبقاء بناياتها القديمة ورفضت التطوير".




بالرغم من هذا التطوير المزعوم، وزيادة حجم استيعاب مناطق الحرم المكي للمزيد من الحجاج، فإنّ الأسعار المرتفعة منعت الفقراء من الحج، وجعلت جزءاً كبيراً من الفريضة يكاد يقتصر على الحجاج الأغنياء الذين يحجّون كلّ عام.