أجناس الدواعش

أجناس الدواعش

16 اغسطس 2018
الأميركيون تركوا دماراً خلفهم (توماس كويكس/ فرانس برس)
+ الخط -
يصعب الحديث عن داعش و"منجزاته" التخريبية، دون الإشارة إلى من سبقه ممن لا يقلون "داعشية" عنه. ونعني بهم "حَمَلة مشاعل الديمقراطية" إلى بلادنا من الجنود الأميركيين والبريطانيين ومن سار في ركابهم. إذ أن تحطيم الآثار العراقية وإحراق مكتبات بغداد والموصل بعد نهب مخطوطاتها النادرة على يد الفصيل الأخير من داعش، لا يقل هولاً عما فعله سابقوهم الواردة أصنافهم أعلاه في المتحف العراقي وغيره من مكتبات ودور ثقافية. والتحدث بلغة إنكليزية باللكنة الأميركية أو البريطانية لا يجعل من أصحابها حضاريين وسواهم برابرة، فالكل ممن ذكرنا وممن لم نذكر، يستحق مثل هذه الصفة لأنه ساهم في تدمير الموروث الثقافي العراقي ونهبه.

بالطبع كُتب الكثير عن نهب محتويات ومقتنيات متحفي بغداد والموصل وأكثر من 10 آلاف موقع أثري غيرهما، كذلك صدرت العديد من المقالات والتغطيات لما أقدمت عليه داعش انتقاماً من تراث العراق بشكليه الحجري والكتابي، وهو غير كاف للإحاطة بمدى قسوة الجريمة التي اُرتكبت بحق تاريخ وحضارة هذا البلد. ولكن لا نفع من إلقاء الحسرات في زمن الحروب الطائفية والمذهبية وانفلات غرائز أقسام من الشعوب، وتحويلهم إلى مجرد أدوات في تحطيم مجتمعات وكنوز بلادهم شفاءً لغليل الانتقام من التاريخ، وتعبيراً عن يأس استعادته ووضعه على صليب الأحقاد. ففي شباط من العام 2015 ارتفعت سحب الدخان في سماء مدينة الموصل، ولم تنفع وساطات الوجهاء في إنقاذ موجودات مكتبتها المكونة من 10 آلاف كتاب ومخطوطة نادرة و100 ألف كتاب من النار لدواعي "أن الكتب والوثائق التي تحتويها تحرض على الكفر". سبق ذلك حملة منظمة لداعش طاولت شتى أنحاء نواحي وأقضية محافظة الأنبار، بما يذكر بمحاكم التفتيش ونشاطها "التطهيري". ومكتبة جامعة الموصل نالت نصيباً مماثلاً على أيدي داعش والطيران الأميركي بالتكافل والتضامن، وبلغ حجم عملية الإبادة 100 في المائة من موجودات المكتبة التي تناهز كمواد حوالي مليون مادة مطبوعة ومخطوطة وكتاب، علماً أن عملية رقمنة وحفظ على الحواسيب قد تمت لبعض من مخطوطات المكتبة ونقلت سراً، ما أبقاها حية.

منذ عدة أشهر انطلقت حملة لإعادة الروح إلى مكتبة جامعة الموصل بعد تحرير الجزء الشرقي من المدينة حيث حرم الجامعة الرئيسي. وقد جمعت المكتبة إلى الآن قرابة 6 آلاف كتاب مع التعهد بتقديم 20 طناً من الكتب بمبادرة مشتركة لصفحة الموصل على الانترنت ومكتبة فرنسية في مرسيليا تدعى حلم السلالم. وهناك الكثير من المبادرات، وتساهم فيها جمعيات وجامعات وأفراد بعضها يقدم مجموعات من الكتب بينها أفراد وجهات علمية واجتماعية. أما الحكومة العراقية فستساهم بمبالغ ضئيلة مما يتبقى من مال عام لم يجر نهبه.




ومنذ العام 2003 خصوصاً والمكتبات التاريخية في العراق تتعرض لعملية وأد منظمة على أيدي دواعش كثيرين مهما اختلفت تسمياتهم ولغاتهم من: الانكليزية إلى الفارسية والعربية وغيرها. وقد بدأت العملية بتدمير المكتبة الوطنية العراقية والتي كانت تضم 417 ألف مجلد و2618 مجموعة من الصحف والدوريات و4412 كتاباً نادراً، وقدرت موجوداتها عشية الغزو الأميركي بمليوني مطبوعة. كما تعرضت لمصير مماثل مكتبة الأوقاف التي لا تبعد عنها سوى 500 متر. والمحصلة أن العراق يكاد يفرغ مما كان عنصر فخر وتميز له طوال تاريخه.

*باحث وأستاذ جامعي

المساهمون