الناشط السوري مجد خولاني... حرّم دماءهم فاستحلوا دمه

الناشط السوري مجد خولاني... حرّم دماءهم فاستحلوا دمه

14 اغسطس 2018
مجد خولاني(فيسبوك)
+ الخط -


توفي عند العاشرة من مساء 15 يناير/كانون الثاني 2013. هذا ما كتب على إخراج القيد الذي تسلمته عائلة مجد خولاني خلال الشهر السابع من العام الجاري. ورقة من السجلات المدنية تبدد كل أمل للعائلة التي كانت تعيش منتظرة ابنها المغيّب في سجون النظام السوري على مدى سنوات.

مجد خولاني المولود في مدينة داريا عام 1989، والمتحدر من أسرة عريقة عرفت بطيب السمعة بين الجوار، شقيق لثمانية من الذكور والإناث، وابن لأب يمتهن التجارة.

بدأ نشاط مجد المدني منذ عام 2003 حين كان وأخواه آمنة ومحمد أعضاء في مجموعة "شباب داريا"، التي كانت تنظم نشاطات سلمية تنموية وتوعوية ضمن مجتمع الشباب، ذلك النشاط الذي عرضهم للملاحقة الأمنية وانتهى باعتقال شقيقه محمد لفترة قصيرة.

منذ بداية الثورة، كان للأسرة السبق باللحاق بركبها، في حين سبق مجد اندلاع الاحتجاجات الشعبية ضد بشار الأسد، وشارك في الاعتصام الشهير أمام السفارة الليبية متضامناً مع ثوار ليبيا ضد نظام القذافي.

آمنة خولاني شقيقة مجد، التي اعتقلت وزوجها سابقاً في سجون النظام تروي لـ"العربي الجديد" تفاصيل من أيام مجد الأولى في الثورة السورية، وتقول: "عندما اندلعت ثورة مصر، كان مجد متحمساً جداً، كان يقول إلى متى سنبقى نشاهد الحدث، لماذا لا نصنع الحدث، ومع بدايات الثورة السورية والحراك في مدينة داريا، وجد مجد نفسه من قادة الحراك في المدينة ومن أبرز منظميه".
تفرغ مجد خولاني للثورة منذ بدايتها(فيسبوك) 

وتضيف خولاني: "فرغ مجد كامل وقته وحياته للثورة، ومع بروز اسمه أصبح من المطلوبين المهمين للنظام، ما اضطره للابتعاد من المنزل والتخفي هو وصديقاه يحيى شربجي، وإسلام دبّاس".



تزيين الساحات وتوزيع الورود

على عكس ما روج له نظام الأسد، منذ اللحظة الأولى لبدء الاحتجاجات الشعبية السلمية ضده، كانت السلمية عنواناً لنشاطات مجد ورفاق درب ثورته. وابتكروا فكرة توزيع الماء والورد على عناصر الأمن، كما عملوا على تزيين ساحات الاحتجاج لتغدو أشبه بخيم الأعراس الشعبية، وشكلوا بصفتهم حزمة من الشباب المثقف صمام أمان، يحول دون انزلاق البلاد لحرب تستنزف شبابها، ويغدو المنتصر الوحيد فيها هو النظام الديكتاتوري.

وتتضح تلك الجهود والتوجهات في منشور لمجد على حسابه الشخصي على "فيسبوك" نشره خلال الشهر الثاني للثورة، يحذر فيه من أي توجه لحمل السلاح، مؤكداً أن هذه الثورة سلمية، وأن كل دماء السوريين حرام بما فيهم الأمن والجيش، وأن محاسبة المجرمين هي مهمة القضاء وحده.

 
"يا أمي يا أم الوفا" أغنيته المفضلة

تعود شقيقته آمنة بالذاكرة إلى أكثر من سبع سنوات، لتستذكر بعضاً من كثير عن شقيقها الذي كان يوما يشتعل همةً ونشاطاً. وتقول لـ"العربي الجديد": "كان يمارس الرياضة، يحب كرة القدم ويتدرب عليها دائماً، أغنيته المفضلة كانت يا أمي يا أم الوفا لسعدون جابر، ومع بداية الثورة تعلق كتير بغنية "رجع الخي" لسميح شقي".

وتكمل آمنة: "شو بدي احكي عن مجد، كان مرح كتير، بيحب الفرح والضحك، شب كتير مبادر، وتحمل المسؤولية من هو وصغير".

كان شخصاً مرحاً وحمل المسؤولية صغيراً(فيسبوك) 



اعتقلوه ثم طافوا به

بتاريخ 8 أغسطس/آب من عام 2011، نصبت قوة من الأمن والمخابرات التابعة لنظام الأسد كميناً لمجد خولاني بالقرب من مسجد أبو سليمان الديراني في مدينة داريا، وتمكنت خلاله من اعتقال الناشط الذي طال بحثهم عنه، وفي سعي منهم لكسر إرادة التظاهر لدى سكان داريا وأصدقاء مجد قاموا بالطوفان به بساحات المدينة، التي شهدت اللحظات الأخيرة لمجد في مسقط رأسه.


مبالغ طائلة مقابل عشر دقائق

منذ اللحظة الأولى لاعتقال مجد، لم تترك العائلة المفجوعة باعتقال ابنها باباً إلا طرقته في سعي منها لمعرفة مكانه على أقل تقدير، وفي كل مرة تزور فيها العائلة الجهة الأمنية التي اعتقلته، كانت تواجه بالإنكار ونفي وجود مجد لديها أو في سجونها. وفي نهاية المطاف، تمكنت عائلته بعد دفع مبلغ كبير من الحصول على إذن زيارة له، وتقول آمنة: "بعد عام كامل، وبعد دفعنا مبلغاً كبيراً من المال، استطعنا زيارته في سجنه الذي تبين لنا أنه سجن صيدنايا، كان مسموحاً لنا فقط بعشر دقائق من اللقاء به، لقاء تفصل فيه بيننا وبينه ثلاثة صفوف من السياج، وسبقه تحذير من الخوض في أي نقاش سوى التحية والسلام، كان مجد مطمئناً ثابتاً لم يبدِ أي انكسار طوال اللقاء، بينما أمضيناه نحن بالبكاء والدموع".

وتضيف آمنة: "بدفع مبلغ آخر، تمكنا من زيارته مرة أخرى بعد أقل من شهر، لتكون تلك زيارتنا الأخيرة له".

نادى مجد بسلمية الحراك دوماً(فيسبوك) 


أعدمت قوات النظام السوري الناشط السلمي مجد خولاني، وشقيقه عبد الستار المعتقل معه في السجن نفسه وفي اليوم والساعة نفسَيهما، في بدايات عام 2013، ليرحلا معاً دون أن يعلما بمقتل أخيهما الثالث محمد تحت التعذيب أيضاً في سجن آخر من سجون الأسد، لتعيش عائلة مجد مأساة رحيل ثلاثة من أبنائها قضوا في طريق سعيهم لسورية حرة وحياة عادلة للسوريين.