أطراف صناعية أمل للتونسيين

أطراف صناعية أمل للتونسيين

14 اغسطس 2018
رفيق الصغير وقد تأقلم مع واقعه (العربي الجديد)
+ الخط -


انشغل التونسيون في عام 2016 بقصة محمد إسلام بوقلية بطل سباق الدراجات الذي فقد ساقه نتيجة حادثة سير، لا سيّما وأنّ الحادثة أثّرت على مسيرته الرياضية وحرمته من مواصلة مشاركته في المنافسات العربية التي كان قد فاز في عدد منها سابقاً بلقب البطولة. وبعد عرض حالته في بعض وسائل الإعلام، تمكّن من تلقّي العلاج في خارج تونس بفضل مساعدة أحد رجال الأعمال، وقد ركّب ساقاً صناعيّة مكّنته من العودة إلى المسابقات الوطنية والعربية وإحراز فوز جديد في بداية هذا العام.

لكنّ قصة مسلم قصد الله شغلت الرأي العام التونسي والمنظمات الحقوقية، خصوصاً الجمعيات المهتمة بالدفاع عن جرحى الثورة، إذ إنّ ساقه بُترت بعدما أصيب برصاصة خلال الثورة. ومسلم العاطل من العمل وغير القادر على توفير مصاريف العلاج، بقي أكثر من ستة أعوام ينتظر ساقاً صناعية بمواصفات متطوّرة تجعله يتحكم فيها فيتمكّن من المشي براحة أكبر. لم يكن الأمر متاحاً في تونس، نظراً إلى أنّ في المستشفيات التونسية تركّز على علاج تقويم الأعضاء فقط. يُذكر أنّ مسلم تصدّر عناوين الصحف لأنّه جريح الثورة على غرار بقيّة الجرحى الذين تتطلب حالاتهم الصحية تدخلاً عاجلاً. وقبل أشهر قليلة، تمكن مسلم من تلقي العلاج اللازم وتركيب ساق صناعية باتت تساعده اليوم على المشي.

بعيداً عن الأشخاص المشهورين وإثارة القضايا العامة، ثمّة مئات يعانون من المشكلة نفسها، بعضهم يحتاج إلى ساق وبعض آخر إلى ذراع أو يد أو غير ذلك، في حين تتعدد الأسباب. بعضهم وُلد مع إعاقات وتشوّهات، وبعض آخر تعرّضوا إلى حوادث شغل أو سير أدّت إلى بتر أحد الأطراف. محمّد همامي (25 عاماً) من هؤلاء، وهو تعرّض إلى حادثة سير تسببت في بتر يده اليمنى قبل عامَين. تلك الحادثة غيّرت حياته وجعله غير قادر على مواصلة دراسته وبات يخجل من الخروج إلى الشارع. ولأنّه لاقى صعوبة في الكتابة باليد اليسرى، فقد اضطر إلى ترك الدراسة. يخبر محمّد "العربي الجديد" أنّ "تكلفة يد صناعية تتجاوز 30 ألف دولار أميركي خارج تونس. لكنّني نظراً إلى عدم استفادتي من نظام التغطية الصحية، فأنا لا أستطيع الحصول على جزء من تغطية مصاريف العلاج التي يتكفّل بها صندوق التأمين على المرض". يضيف أنّه اليوم يبحث مع منظمات مهتمة بالأشخاص ذوي الإعاقة إمكانية جمع تبرّعات له تمكّنه من إجراء جراحة في الخارج أو شراء يد صناعية. ويتابع: "بتُّ أتابع الأخبار الخاصة بمثل تلك العمليات لأطلع على مدى نجاحها، وما هي الحالات المضمونة".

مسلم قصد الله خسر ساقه في ثورة تونس (العربي الجديد)

تجدر الإشارة إلى أنّ تلك العمليات بمعظمها تجرى خارج تونس، لذا تأتي تكلفتها باهظة جداً، لا يقدر معظم الأشخاص من ذوي الإعاقة على تحمّل المصاريف من شراء العضو الصناعي والعلاج والمتابعة ما بعد العلاج. وفي عام 2015، تمّت في تونس العملية الأولى لتركيب ذراع صناعية. وهذه العملية هي الأولى كذلك في شمال أفريقيا. وعلى الأثر، أشار الطبيب الجراح فخري بلخيرية الذي أجراها أنّ العملية ارتكزت على تركيب أجهزة صناعية في الكتف، مؤكداً أنّ المريض قادر على التحكم بحركاته بكلّ أريحية في حياته اليومية.

في السياق، يقول الطبيب المتخصص في العظام وتقويم الأعضاء، حسن خماس، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الصندوق الوطني للتأمين على المرض يتكفل ببعض العلاجات المتعلقة بالعظام وتقويم الأعضاء. وهو ما يجعل آلاف مستحقي الأعضاء الصناعية غير قادرين على تحمّل تكلفة عمليات تتعلّق بعضو صناعي. كذلك فإنّ الجراحات أو العلاجات تجري في مستشفيات خاصة أو خارج الوطن، لذا تكون تكلفتها باهظة جداً. عدا ذلك، فإنّ ثمّة جراحات متعلّقة بالعظام أو الأطراف الصناعية تُصنَّف جراحات تجميلية وبالتالي لا يتكفل الصندوق بها". يضيف خماس أنّ "المرضى الذين يحتاجون إلى تقويم أعضاء قبل تركيب الأطراف الصناعية هم بمعظمهم غير قادرين على الاستفادة من نظام استرجاع المصاريف، لعدم قدرتهم على الانخراط في منظومة التأمين على المرض. تُضاف إلى ذلك مشكلات مراكز ومصحات تقويم الأعضاء التي أنهى بعضها تعاقده مع الصندوق نظراً إلى عدم صرف مستحقاتها على مدى أشهر".




إلى ذلك، فإنّ ارتفاع تكاليف العلاج في تونس وفي الخارج يجعل أشخاصاً عدّة يبحثون عن المنظمات، سواء داخل الوطن أو خارجه لإيجاد فرصة تركيب طرف صناعي. ورفيق على سبيل المثال، طفل يبلغ من العمر خمسة أعوام ولد بتشوّه خلقي، يتمثّل في افتقاره إلى اليد اليسرى. يخبر والده "العربي الجديد" أنّ "حالته لم تتطلب في البداية أيّ جراحة أو تدخل طبي نظراً إلى صغر سنّه. لكنّه اليوم بات قادراً على تلقي العلاج وتركيب يد. ونظراً إلى عدم انتسابه إلى منظومة التأمين على المرض، لم تتمكن العائلة من تغطية جزء من تكاليف العلاج المرتفعة في تونس لتضطر إلى البحث عن حلول خارج تونس". وقد تمكّن والد رفيق من الاتصال ببعض الجمعيات والمنظمات في فرنسا التي تساعد الأطفال، ولكنّه على الرغم من حلّ مختلف العقبات وتأمين يد للصغير (جاهزة منذ أكثر من شهرَين)، وجدت العائلة صعوبات في إجراءات السفر إلى الخارج. ويلفت الوالد إلى أنّه "في حال إرسال اليد من الخارج لتركيبها في تونس، فإنّ الأمر معقّد ويتطلب تكاليف أخرى".

المساهمون