"تنظيف المحيطات"...مشروع إزالة أطنان من مخلفات البلاستيك

"تنظيف المحيطات"...مشروع إزالة أطنان من مخلفات البلاستيك

13 اغسطس 2018
بوين سلات مؤسس المشروع(العربي الجديد)
+ الخط -


يقود الشاب الهولندي، بوين سلات (24 سنة) مبادرة لمنظمة "تنظيف المحيطات" من المخلفات البلاستيكية البشرية في البحار حول العالم، والتي ستنطلق هذه الأيام من خلال حملة المشروع الأول لتنظيف المنطقة الواقعة بين ولايتي فلوريدا وهاواي الأميركيتين، في منطقة تعادل مساحتها ضعف مساحة تكساس، وهي مليئة بمخلفات بلاستيكية تؤذي الحياة البحرية.

وفي وقت لاحق من العام الحالي 2018 سينطلق من سان فرانسيسكو أكبر أسطول من الحواجز العائمة التي ستحاول للمرة الأولى استخدام التطور التقني البشري لتنظيف ما خلفه البشر على مدى سنوات في المحيطات.

قبل 8 أعوام، أي حين كان سلات في سن السادسة عشرة، ذهب في رحلة استجمام صيفية مع أهله إلى اليونان. وحين غطس في البحار هناك وجد نفسه محاطا بأكياس ومخلفات بلاستيكية "لقد كانت تلك الأكياس أكثر من السمك حولي، وحينها فكرت بأننا مضطرون إلى الإسراع في إزالة تلك الأكياس من مياه البحار حول العالم، قبل فوات الأوان" يقول سلات.

ظل سلات مصرّا على فكرته ومشروعه الذي كرس له وقته واتصالاته حول العالم لتوظيف كل الإمكانات والتقنيات الحديثة لتنظيف البحار. واجه الشاب الكثير من التحديات لإقناع من لديهم القدرة المالية والتكنولوجية لقبول فكرته "كنت مقتنعا بأن التقدم التكنولوجي قادر على حل المعضلة التي تسبب بها البشر"، وفقا لما قال سلات لصحافة بلده ولصحيفة إنفارماسيون الدنماركية، التي قامت بتغطية تجهيزات جمع أجزاء الهيكل الإنشائي الضخم لإطلاق جامعة البلاستيك الطوافة الضخمة "منظفة المحيطات"، وهي على شكل قوس في سان فرانسيسكو الأميركية.


وفكرة تشغيل هذه الطوافة العملاقة تعتمد على "تيارات المياه لتعطي حركة طبيعية للطوافة بأنماط تساعد الحواجز العائمة على جمع التكدسات البلاستيكية الضخمة"، وفقا لشريط فيديو نشر على يوتيوب يشرح عملية التنظيف بشكل مبسط، مع تزويدها بكاميرات وألوح توليد طاقة.


يذكر سلات أن مشروعه "سيتمكن خلال 5 سنوات من جمع ما يقرب من 50 في المائة من المواد البلاستيكية في أكبر تجمع قمامة لها في المحيط الهادئ (وهي جزيرة قمامة ضخمة يعتقد أنها تحتوي مليار قطعة بلاستيك)، وستكون أكبر عملية جمع قمامة وتنظيف في تاريخ البحار"، وفقا لما قاله سلات لصحيفة إنفارماسيون، لافتا إلى أن "رحلة الغطس في اليونان، واكتشاف الكم الهائل الذي يخلفه الناس في البحار حول العالم جعلتني مصمما على القيام بالمهمة".

وبعد سنوات من البحث والتقصي التي قامت بها المبادرة وجدت أن أكثر الملوثات البلاستيكية انتشارا في المياه حول العالم هي الأكياس والولاعات وفراشي الأسنان وشبكات صيد السمك والعلب البلاستيكية لعدة الصيد وعبوات المياه البلاستيكية وورق التغليف البلاستيكي والكؤوس، وكل ما يخطر على البال من المنتوجات التي يدخل في تصنيعها البلاستيك التي ينتهي بها الحال في مكب نفايات عالمي عبر البحار.

قضية تنظيف البحار بالنسبة للمهتمين بالبيئة والطبيعة ليست ترفا أو فكرة خارج المألوف، فهؤلاء يؤمنون، مثل الشاب بوين سلات بأن "هذا النوع من القمامة يسبب ضررا كبيرا بالنظم الإيكولوجية، وهي تصيب كل الناس وأطراف الكرة الأرضية من دون استثناء". فالتيارات البحرية تقوم بدفع المواد البلاستيكية الملوثة للبحار نحو مناطق معينة، وكلما اقترب الباحثون من المركز كلما كان تركيز القمامة أكبر، بحيث تغطي تلك المواد الطافية سطح المياه لعمق يصل إلى عدة أمتار.

ويطلق خبراء التلوث البيئي على تلك البقع "جزر القمامة"، لكنها جزر عائمة متحركة وليست ثابتة "ويوجد في المحيطات خمس من هذه الجزر، اثنتان في الهادئ ومثلهما في الأطلسي وواحدة في الهندي".


وأظهرت الأبحاث البيئية أن شبيها بهذه الجزر بدأ يتشكل في مياه بحار مختلفة، وإن أصغر حجماً من الجزر العملاقة. فعلى سبيل المثال، وجد في منطقة البحيرات العظمى بين كندا والولايات المتحدة مثل هذه التجمعات البلاستيكية، لكن يبقى أن أكبر مزبلة هي في شمال المحيط الهادئ، حيث يسعى بويان سلات ومبادرة "تنظيف المحيط" للبدء فيها والانتقال بالمبادرة إلى بقية بحار العالم.

ومن باب المفارقة أن عملية التنظيف تعتمد على إنشاء حاجز ضخم عائم على شكل قوس مصنوع من البلاستيك الصلب. ويمتد طول هذا الحاجز إلى أكثر من كيلومترين، وفقا للفيديو التوضيحي الذي يشرح آلية العمل. ويرتبط الحاجز تحت الماء بعائق يمنح السمك والحيوانات البحرية المرور من دون أن تعلق مع البلاستيك المعزول. ولا يرتكز الإنشاء الضخم على قاع البحر، بهدف تركه عائما ينساب وفقا لحركة التيارات البحرية، كما هي حالة جريان مخلفات البلاستيك التي سيجري محاصرتها وجمعها بقصد إزالتها من المياه "فإذا كنت تريد إزالة البلاستيك في الماء عليك التحرك مثله، وهذا ما يفعله المشروع"، كما يذكر سلات. وتستند الفكرة أيضا إلى أن تكون حركة الحاجز العائم أبطأ من القمامة البلاستيكية في تحركه الذي يتبع مسارات البلاستيك عبر التيارات "التي نستخدمها لكي تقوم (التيارات) بنفسها بتنظيف المحيطات، وبعد جمع القمامة البلاستيكية نقوم بنقلها إلى البر، بحيث يجري فرزها وإعادة تدويرها". 


الطريق لم يكن سهلاً

بالرغم مما حققه الشاب الهولندي اليوم في سان فرانسيسكو، لمحاولة تنظيف المحيطات، إلا أن طريقه لم يكن سهلا. فبعد عام من رحلته الصيفية في بحر اليونان كان الشاب سلات منخرطا في ندوات وأنشطة مع جمهور واسع يحدثهم عن فكرته التي خطها بنفسه لإنشاء هذا الحاجز العملاق لتنظيف البحار. وجد الشاب نفسه أمام حملة جمع تبرعات لمشروع "تنظيف المحيط"، وبعد فترة من العمل ومواجهة الجمهور بدأت الأموال تتدفق لتصل إلى حوالي 30 مليون دولار. ترك سلات مقعد الجامعة ليتفرغ تماما لمشروعه، الذي دعم بشكل كبير من وادي السيلكون في أميركا.

وكانت مجموعة "تنظيف المحيطات" تأسست كجمعية غير ربحية في 2013، وأرسلت عدة بعثات بحرية لاستكشاف جزر القمامة وعمليات مسح لأمكنة تركزها وعمقها بهدف القيام أولا بمحاكاة كومبيوترية لتطوير التقنيات اللازمة للانطلاق بمشروع إنشاء الحاجز الضخم العائم.

قبل عامين، في 2016، أرسلت المجموعة نموذجا بطول 100 متر وعمق 43 كيلومترا في بحر الشمال في مواجهة الشواطئ الهولندية، وبداية صيف 2018 بدأ النموذج بحجمه الطبيعي يعمل منطلقا مع بعض التيارات مقابل سواحل كاليفورنيا. ويخطط الشاب سلات أن يشهد سبتمبر/أيلول المقبل الانطلاق من تحت جسر "غولدن غايت" Golden Gate في سان فرانسيسكو نحو تجمع القمامة العظيم بداية من المحيط الهادئ.

ويذكر القائمون على المبادرة أنهم يسعون سريعاً لإزالة تلك القمامة قبل أن تتكسر وتتحول إلى "ميكرو بلاست" بما يهدد فعليا صحة السمك والكائنات البحرية التي تتأثر بها وتصل لاحقا إلى موائد البشر. ففي دراسة اسكتلندية عام 2015 ظهر أن 83 في المائة من الكائنات البحرية الصغيرة، وخصوصا القريدس، وجدت فيها خيوط بلاستيكية. وفي الدنمارك أشارت دراسات بيئية على مدى 5 سنوات ماضية أن 10 أنواع من أسماك القناة المائية الإنكليزية، بما فيها السردين، احتوت على مواد بلاستيكية، مثلما هو واقع سمك السردين في مياه الدنمارك بواقع 31 في المائة احتوت معدتها على خيوط بلاستيكية.

ومما يجدر ذكره أن قطعة بلاستيكية مرمية في مياه البحر يمكن أن تبحر خلال شهرين مسافة ألف كيلومتر مع التيارات.

المساهمون