مرضى يتألمون على الحدود الأردنية السورية

مرضى يتألمون على الحدود الأردنية السورية

06 يوليو 2018
ثمّة ما يلهيهما (محمد أبازيد/ فرانس برس)
+ الخط -
يعيش المصابون بالأمراض المزمنة ضغوطاً نفسية مستمرّة. وتزداد أحوالهم سوءاً في الجنوب السوري، مع نزوحهم من مناطقهم باتجاه الشريط الحدودي مع الأردن، ليواجهوا تحديات جديدة في تأمين الأدوية أو الوصول إلى النقاط الطبية، خصوصاً المصابين بالفشل الكلوي الذين يحتاجون إلى متابعة دورية ومنتظمة.

ويوضح مصدر طبي في درعا لـ "العربي الجديد" أنّ هناك نقطتين طبيتين يعتمد عليهما أهالي درعا لغسل الكلى، موضحاً أن هاتين النقطتين كانتا تفتقدان المواد الطبية. ومع بدء الحملة العسكرية لقوات النظام على المنطقة والغارات الجوية الروسية، تفاقمت الأوضاع سوءاً، نظراً لصعوبة تأمين المياه اللازمة للشرب، والتي يحتاجونها على الدوام في جلسات العلاج، إضافة إلى انقطاع التيار الكهربائي، وصعوبة تأمين الوقود لمولدات الكهرباء.

يضيف المصدر أن هناك أمراً آخر يشكّل تحدياً للمصابين، هو المسافات التي تفصلهم عن نقاط غسل الكلى، وطريقة نقلهم، لأن ركوب السيارة أو أية آلية أخرى يشكّل ضرراً كبيراً عليهم، مشيراً إلى أنّ الالتزام بجلسات العلاج أمر مهم جداً، لأنه قد يؤدي إلى الوفاة في حال لم يحصل كما يجب.

في هذا السياق، يقول كريم سعيد (40 عاماً)، وهو أحد المصابين بالفشل الكلوي: "أحتاج شهرياً إلى عشر جلسات غسيل. اليوم على الشريط الحدودي، أعيش مأساة بكل معنى الكلمة لأن بقائي من دون علاج يعني الموت. كما أن ذهابي لنقطة الغسيل موت آخر. القصف يطاول الطرقات والمنازل وكل شيء".



ويؤكد سعيد أن بعض المصابين بالفشل الكلوي غير المدرجين في قوائم المطلوبين أمنياً عاشوا خوفاً وابتزازاً من قوات النظام. هم يدفعون مبالغ طائلة للحواجز بهدف العبور نحو دمشق لإجراء جلسات الغسيل هناك. ويؤكد أن حالاتهم تكون خطيرة جداً ولا تحتمل. بعضهم يحتاج إلى جلسة يومياً، في وقت توجه آخرون إلى دمشق لأنّ توقفهم عن الجلسات يعني فقدانهم الحياة.

يتابع سعيد: "أحياناً، يوصلني أحد أقربائي على الدراجة النارية بسبب صعوبة الوصول إلى نقطة الغسيل بالسيارة، ما يتسبب لي بآلام كثيرة. في الوقت الحالي، أتمنى أن يكون الموت قريباً علّني أنتهي من هذا الوضع المأساوي الذي أعيشه".

في المنطقة ذاتها قرب الشريط الحدودي مع الأردن إلى الجنوب من بلدة المتاعية، يعيش المصاب بمرض السكري رامي عبيد (48 عاماً)، ويحاول التأقلم مع الكمية المتوفرة لديه من الأدوية التي تنظيم مستوى السكر في الدم. يقول لـ "العربي الجديد": "مؤخراً، وقبل الحملة، حصلت على كمية من الأدوية تكفيني ستة أشهر. كنت قد جمعتها كما أفعل في العادة لأنني تعرضت لأزمات كبيرة، وأصبت بالإغماء في بعض الأحيان بسبب عدم وجود الأدوية وصعوبة الحصول عليها. لذلك، عملت على تأمين أدوية لأطول فترة ممكنة. أحمد الله أني استطعت ذلك، وقد أعطيت القليل منها لأشخاص يعانون من المرض نفسه".

ومؤخّراً، بحسب عبيد، اشترى الأهالي من درعا كميات من أدوية السكري (النوع الأول) تكفيهم نحو ستة أشهر. يضيف أن "حال مرضى السكري من النوع الأول تختلف عن حالتنا، لأنهم في حاجة فقط إلى أدوية تنظم مستوى السكري أو الرياضة. لكن مرضى النوع الثاني في حاجة إلى رقابة دورية وتحاليل. والآن في الظروف الحالية، المتابعة مستحيلة. لذلك، نبذل ما في وسعنا كي لا تصيبنا نوبات، ما يتطلب تدخلاً طبياً".

وتنسحب المعاناة على الأشخاص ذوي الإعاقة، وأولئك الذين يعانون من آلام في الظهر. التنقّل من مكان إلى آخر مهمة شاقة بالنسبة لهم ولأهلهم، عدا عن تأمين مستلزماتهم من أدوية وغيرها. وبات كثيرون ممن لديهم أمل في الشفاء، عاجزين عن متابعة العلاج الفيزيائي، ما جعل الأمر أكثر صعوبة.

ويقول أحمد الصمادي (36 عاماً)، وقد أصيب بشظية في ركبته خلال قصف قبل أشهر في منطقة اللجاة، بينما كان يسير على دراجته النارية، إنه توقف عن العلاج الفيزيائي الذي داوم عليه لفترة لا بأس بها، وقد تماثلت ركبته للشفاء. يتابع لـ "العربي الجديد": "هنا، لا يوجد معدات أو أدوات طبية. الهدف الوحيد هو البقاء بأمان مع ابنتي وأهلي. أستطيع السير والتنقل لكن بصعوبة كبيرة. حتى الآن، لا أستطيع ثني ركبتي. اليوم، لم أعد أهتم بما يحدث لي، فمصابنا أنساني معاناتي".

أما فاطمة العبد الله، فتوضح لـ "العربي الجديد" أن ما تمر به يفوق قدرتها وقدرة طفلها أحمد، الذي أصيب خلال قصف طاول درعا منذ ثلاثة أعوام. اليوم، يجلس على كرسي متحرّك، ويحتاج إلى المساعدة معظم الوقت.

تتابع فاطمة: "أحزن عليه بشدة. كان يحب لعب كرة القدم، ولم يعد في مقدوره العيش كباقي الأطفال. وزادت معاناته مع نزوحنا. كانت الأمور مقبولة نوعاً ما في البيت على الرغم من القصف. أحمد الله على كل حال". وتخشى أن يطاول قصف النظام هذه المنطقة قرب الشريط الحدودي مع الأردن. "يمكن للناس السير والتنقل بسهولة، لكننا في حاجة إلى المساعدة على الدوام".



أمّا أمين خطيب (30 عاماً)، فيقول لـ "العربي الجديد": "رأيت الكثير من الشبان على الكراسي المتنقلة. في إحدى المرات، ساعدت أهل أحد الشبان بإنزاله من السيارة. لم يكن من السهل حمله بالنسبة إليهم. هو مصاب ولا يقدر أن يحرك أطرافه السفلية منذ أعوام. ولم يكن نقله سهلاً إذ إن الأرض هنا مليئة بالصخور. بحثنا عن أرض منبسطة نوعاً ما ليتمكن أهله من إخراجه وإدخاله الخيمة. بقاؤه فيها على الدوام سيتسبب له بأزمات نفسية. كان الله في عونه وعون أهله". يضيف: "خلال ساعة، شعرت بحجم ألمهم ومعاناتهم. نرجو على الأقل فتح الحدود مع الأردن من أجل هؤلاء لأنهم في أشد الحاجة لأن يكونوا بأمان".

بدورها، تقول علياء العمري إن ابنتها سلمى (8 أعوام) ولدت مصابة بالشلل بأطرافها السفلي. "نعيش حالة رعب من القصف. دمّر بيتنا، ولم يبق لنا غير هذه الخيمة التي أتشاركها مع عمتي وابنتها. لا أستطيع تحمّل مسؤولية سلمى وحدي. ولا ندري ما الذي ينتظرنا وهل سنبقى بأمان بعيداً عن قذائف النظام هنا".

المساهمون