بغداد لا تحفظ سريّة امتحاناتها

بغداد لا تحفظ سريّة امتحاناتها

05 يوليو 2018
في أحد الامتحانات (صافين حميد/ فرانس برس)
+ الخط -
يبدو أنّ بغداد عاجزة عن حفظ سريّة أسئلة امتحانات الثانوية العامة. هذا ما يتردد بعد تسريب امتحانات التربية الإسلامية أخيراً

انتقادات واتهامات كثيرة وُجّهت إلى وزارة التربية العراقية ووزيرها محمد إقبال على خلفيّة تداول أسئلة مادة التربية الإسلامية. فقد نشرت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي نسخاً من أسئلة التربية الإسلامية سُرّبت إلى التلاميذ قبل بدء امتحانات الثانوية العامة بساعات قليلة في الواحد والعشرين من يونيو/ حزيران الماضي.

مريم زكريا، تلميذة في السادس أدبي، تقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "وزارة التربية تتخذ في كل عام إجراءات عدّة لمنع تسريب الأسئلة أو الغش بين التلاميذ، ومع ذلك يُصار إلى تداول الأسئلة وبيعها. لكنّ الأمر هذا العام كان مختلفاً، إذ إنّ نسخاً كاملة ومجانية من أسئلة التربية الإسلامية نُشرت في اليوم الأوّل من الامتحانات، وهو الأمر الذي تسبب في إلغاء امتحان المادة. هكذا ضاع جهدنا ووقتنا في أمر ليس لنا ذنب فيه".

من جهته، يقول محمد يونس، تلميذ في السادس علمي، لـ"العربي الجديد": "لا أتصوّر أنّ ثمّة ما هو أسوأ ممّا حصل لنا، فنحن اليوم مطالبون بإعادة مادة درسناها وخضعنا لاختبارها. لا بدّ من إيجاد إجراءات أكثر إنصافاً بحقّنا كتلاميذ، فلسنا مسؤولين عن تسريب الأسئلة ولا عن إخفاق الجهات المعنية". يضيف أنّ "إلغاء امتحان التربية الإسلامية لا ينهي المشكلة التي تتكرر، بل أراه عقوبة للتلاميذ. نحن نعرف أنّ من قام بتسريب الأسئلة لن يُعاقَب، لأنّ التحقيقات التي فتحت لن تفضي إلى نتائج، بالتالي فإنّ إلغاء الامتحان مع تحديد موعد جديد هو عقوبة للتلاميذ أكثر من كونه الحل الأمثل". ويتابع أنّ "وزارة التربية والحكومة العراقية مطالبتان بإيجاد حلّ لهذا الأمر بدلاً من اتباع إجراءات آنية، لأنّ مسألة تسريب الأسئلة قد تتكرر في أيّ وقت ما لم تتخذ الوزارة إجراءات حقيقية".



في السياق، يقول الأكاديمي الدكتور محسن علي عطية لـ"العربي الجديد": "لا أدري كيف لدولة يصل فيها الفساد إلى ما وصل إليه عندنا، ألا تعلن استقالتها. عار ما بعده عار على من أوصل التعليم في العراق إلى هذا المستوى". يضيف: "أليس من المنطق أن يسأل المرء إذا كانت وزارة التربية عاجزة عن إيجاد 100 شخصية نزيهة تكلّف بإدارة الامتحانات التي يتقرّر على أساس نتائجها مصير مئات آلاف التلاميذ وعوائلهم، كيف لها أن تؤمّن آلاف المدراء والمشرفين والمدرّسين النزيهين للعمل في أهم مؤسسة من مؤسسات الدولة؟ في تلك المؤسسة يعد كلّ ذي مهنة، وفيها يؤهّل كل العاملين في الدولة". ويتابع: "يكفي ما وصل إليه البلد من مهازل. صرنا نخجل أمام أفقر وأضعف الدول ممّا وصل إليه التعليم وكلّ المرافق الحيوية في هذا البلد، لا سيّما أنّ مختلف الجنسيات العربية وغير العربية كانت قد درست فيه ونهلت من كوادره جامعات ومؤسسات تعليمية عدّة في الوطن العربي".

ويسأل عطية: "ما ذنب التلميذ الذي جدّ واجتهد وخضع للامتحان من دون أن يحصل على ما سرّبتموه من أسئلة؟ ومن يعوّض التلميذ الضرر النفسي؟ من المخجل بالنسبة إلى أيّ وزير أن يعجز عن اختيار كادر نزيه يعمل في ديوان وزارته وأقسامها على أقلّ تقدير. عليكم تعلّم أبسط معايير الإدارة لأنّ المناصب ليست بدلات ولا مجلبة للجاه ولا سبيلاً للفساد والإفساد، إنّما مسؤولية كبيرة لا يمكن النجاح فيها ما لم تقم على أسس رصينة من الإخلاص والأمانة والشعور بالمسؤولية أمام الله والجميع". وعن الإجراءات التي يمكن اتخاذها في ظرف مماثل لهذا، يرى عطية أنّه "في بلد تفشّى فيه الفساد مثل العراق، من الممكن أن تؤمّن الأسئلة من خلال اختيار الوزير مدرّساً واحداً لكل مادة يضع الأسئلة، في حين يربط الوزير غرفة المراقبة بكل مراكز الامتحانات بخطوط فاكس أو بوسائط إلكترونية حتى تُرسَل الأسئلة من مكتبه إلى تلك المراكز قبل 30 دقيقة فقط من موعد امتحان أو آخر.

وكانت وزارة التربية العراقية قد اضطرت إلى إلغاء امتحان مادة التربية الإسلامية للصف السادس بفرعَيه العلمي والأدبي بعد فضيحة تسريب الأسئلة، كما أعلنت في بيان لها إلغاء جدول الامتحانات الرسمية بعد يومَين من بدئها واستبداله بجدول جديد، وكلّ ذلك وسط اتهامات بقيام عناصر متنفذة بتهريب الأسئلة. كذلك، قررت الوزارة في كتاب رسمي إعادة امتحان مادة التربية الإسلامية في 17 يوليو/ تموز الجاري، على أثر انتقادات واسعة النطاق وُجّهت إلى الوزارة وكذلك اتهامات بالإهمال والتقصير على خلفية تسريب الأسئلة. من جهتها، أعلنت وزارة التربية عن فتح اللجنة الدائمة للامتحانات تحقيقاً عاجلاً بشأن ما نُشر عن تسريب أسئلة مادة التربية الإسلامية للسادس ثانوي، على أنّ تُعلَن نتائج ذلك التحقيق حال التوصل إليها.



ويحدد القانون العراقي عقوبات لمن يتسبّب في تسريب أسئلة امتحانات، فينصّ على السجن مدّة لا تقل عن سنة واحدة لكلّ من سرّب أو أفشى أو أذاع أو تداول بصورة غير مشروعة أسئلة الامتحانات المدرسية النهائية أو أسئلة الامتحانات العامة. وينصّ القانون على السجن مدّة لا تزيد عن سبع سنوات، إذا كان مرتكب الجريمة عضواً في لجان الامتحانات أو من واضعي أسئلتها أو مكلفاً بنقلها أو بالحفاظ عليها أو بتهيئتها أو بتغليفها أو بترجمتها. يُذكر أنّ عقوبة السجن لا تزيد عن سنة واحدة إذا كانت الجريمة المنصوص عليها قد نشأت عن تقصير أو إهمال.

تجدر الإشارة إلى أنّ وزارة التربية استأنفت الامتحانات الرسمية لتلاميذ السادس بعد قرار إلغاء امتحان التربية الإسلامية وتغيير لجنة وضع الأسئلة ومواعيد الامتحانات، وذلك بناءً على جدول جديد. وقد أجري الامتحان الأوّل يوم الإثنين الماضي، على أن تختتم الامتحانات يوم الجمعة 20 يوليو/ تموز الجاري.

المساهمون