عدد السكان يتراجع في دول البلطيق

عدد السكان يتراجع في دول البلطيق

31 يوليو 2018
في لاتفيا (Getty)
+ الخط -
منذ انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي عام 2004، تواجه دول البلطيق الثلاث لاتفيا وليتوانيا وإستونيا، تراجعاً في عدد السكان بعد انفتاح الحدود وتوجّه الشباب إلى دول غرب أوروبا بحثاً عن حياة أفضل. وحذرت إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية الأمم المتحدة مؤخراً، من أن تسع جمهوريات من الكتلة السوفييتية السابقة تأتي بين الدول الأكثر عرضة لتراجع عدد سكانها خلال العقود المقبلة.

ومنذ تفكك الاتحاد السوفييتي عام 1991، تراجع عدد المقيمين في لاتفيا بنحو الربع، ليبلغ حالياً نحو مليوني نسمة فقط، بينما تتوقع الأمم المتحدة تراجعاً إضافياً بنسبة 22 في المائة بحلول عام 2050، و41 في المائة بحلول نهاية القرن الحالي. كما تتوقع الأمم المتحدة أن يتراجع عدد سكان إستونيا البالغ حالياً 1.3 مليون بنسبة 13 في المائة، وليتوانيا (2.9 مليون حالياً) بنسبة 17 في المائة بحلول منتصف القرن.

يعزو الباحث اللاتفي في علم الاجتماع، أندريه سولوبينكو، هذا التراجع إلى مجموعة من العوامل، وفي مقدمتها هجرة الشباب وانخفاض أعداد المواليد وعدم استقبال المهاجرين. ويقول لـ "العربي الجديد": "تتصدر لاتفيا وليتوانيا الدول الأوروبية لناحية تراجع عدد السكان، وبدأت حركة الهجرة منهما بين عامي 1990 و1995 من خلال مغادرة السكان الناطقين بالروسية. أما موجة الهجرة الثانية، فبدأت في عام 2008 إثر اندلاع الأزمة المالية العالمية وتوجه الشباب إلى الدول الغربية الأكثر رخاء اقتصادياً".

ويوضح أن وضع إستونيا أفضل بعض الشيء من لاتفيا وليتوانيا، نظراً لتوجه العديد من الإستونيين للعمل في فنلندا المجاورة، ما يجعلهم قادرين على العودة إلى بلدهم لقضاء عطلات نهايات الأسبوع والحفاظ على صلاتهم الثقافية والاجتماعية.




إلى ذلك، تُعرف دول البلطيق بقوانينها الصارمة في مجال الهجرة واللجوء، ما يحول دون تعويض عدد السكان المهاجرين بالهجرة الوافدة. ومنذ تفاقم أزمة اللاجئين السوريين في عام 2015، أظهرت دول البلطيق تعنتاً كبيراً في استقبال حصصها التي حددتها بروكسل، ناهيك عن وقائع اعتداءات تعرض لها لاجئون في ليتوانيا، واستياء الأهالي من قدومهم، بحسب استطلاعات الرأي.

مع ذلك، يشير سولوبينكو إلى أن هناك حركة هجرة محدودة وافدة إلى دول البلطيق، لاسيما من أوكرانيا ومولدافيا، لكنها لا تعوض موجة الهجرة من البلاد، ويقول: "في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية في البلدين، يسعى العديد من الأوكرانيين والمولدافيين للهجرة، ويختارون دول البلطيق كمحطة أولى في طريقهم كون بيئتها أقرب إليهم لغوياً وثقافياً. إلا أن دول البلطيق لا يمكنها منافسة الدول الغربية لناحية مستوى الأجور. قد يبقى البعض في البلطيق كون الأوضاع فيها أفضل من أوكرانيا ومولدافيا، بينما قد يتوجه البعض الآخر إلى ألمانيا وغيرها من البلدان المتقدمة اقتصادياً".

وعن أوضاع اللاجئين من الشرق الأوسط في البلطيق، يضيف: "وصل عدد من عائلات اللاجئين إلى لاتفيا، لكن معظمهم توجهوا بعدها إلى ألمانيا، لأن الإعانات الاجتماعية وفرص إيجاد عمل أعلى بكثير بالمقارنة مع دول البلطيق". وفي ما يتعلق بموقف القيادة السياسية من اللاجئين والمهاجرين، يقول: "يحتاج الاقتصاد اللاتفي إلى مزيد من الأيادي العاملة، لكن السلطات لا تريد رؤية لاجئين من الشرق الأوسط ولا حتى مهاجرين أوكرانيين، لأنهم ناطقون بالروسية وسيقللون من نسبة المقيمين الناطقين باللاتفية، فبدأ الحديث عن تشديد قوانين الهجرة".

وفي إطار تشديد هذه القوانين حتى بحق الأجانب الأثرياء، بدأت لاتفيا تقليص برنامج منح بطاقات الإقامة للمستثمرين وأصحاب العقارات الفاخرة. كما يواجه المستثمرون الروس مشاكل تتعلق بخدمة وتجميد أرصدتهم في المصارف اللاتفية بحجة تطبيق العقوبات الغربية بحق روسيا ومكافحة تبييض الأموال.

وعلى مدى سنوات، ظلت لاتفيا وجهة مفضلة لرجال الأعمال الروس، نظراً لقربها الجغرافي وإمكانية الحصول على حق الإقامة في الاتحاد الأوروبي، ما جعل نسبة أرصدة الأجانب قياساً بأرصدة السكان المحليين بالمصارف اللاتفية، تتفوق حتى على قبرص. لكن منذ فبراير/ شباط الماضي، تسعى مصارف دول البلطيق، تحت ضغوط أميركية، للتخلص من أرصدة الأجانب، وعلى رأسهم الروس.

هنا، يشير سولوبينكو إلى أن حزب "التحالف الوطني" الذي يشارك في الائتلاف الحاكم يعارض برنامج منح الإقامة للأجانب على الرغم من أنه كان يدر مبالغ كبيرة على لاتفيا. وشُدّدت إجراءات تمديد الإقامة لتصبح حركة توافد المستثمرين ومشتري العقارات شبه متوقفة، ما ينذر بمزيد من تدهور الأوضاع الاقتصادية.




يذكر أن دول البلطيق الثلاث بدأت منذ تفكك الاتحاد السوفييتي، الابتعاد عن روسيا والتقارب مع الغرب، لتنضم إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو عام 2004. ووسط اندماجها في أوروبا، أصبحت هذه الدول تعاني تراجعاً في أعداد السكان بسبب الهجرة، وهو سيناريو تحذر الأمم المتحدة من تكراره في دول تقف حالياً على عتبة التكامل الأوروبي، وفي مقدمتها أوكرانيا ومولدافيا.