مياه دجلة لم تطأ الأراضي الزراعية منذ أسبوع

مياه دجلة لم تطأ الأراضي الزراعية منذ أسبوع وخشية من موجة نزوح

06 يونيو 2018
خطة لضمان مياه الشرب والاستخدام المنزلي (Getty)
+ الخط -
تمكّنت الفرق الهندسية في عدّة مدن، جنوب العراق، من إيصال مياه الشرب إلى المنازل بعد إنزال مستوى أنابيب سحب المياه الموجودة وسط نهر دجلة، لتصل إلى الأدنى ما يسمح لها بالوصول إلى قعر النهر وسحب المياه الموجودة فيه، غير أن الأراضي الزراعية لم تزرها مياه دجلة منذ نحو أسبوع، وسط توقعات بخسائر مالية ضخمة في القطاع الزراعي وهجرة جماعية لسكان القرى والأرياف بسبب ذلك.

ووفقاً لتقارير وزارة الموارد المائية العراقية، فإنّ انخفاض منسوب دجلة الأول من نوعه في التاريخ، إذ بات بالإمكان السير داخل النهر ذهاباً وإياباً دون أن يصل مستوى الماء إلى الركبتين.

وتأثرت أكثر من 16 مدينة وناحية عراقية بأزمة دجلة التي تسبب بها بناء السلطات التركية لسد "أليسو"، وبدء عملية ملء حوض السد تزامن مع قطع إيران أكثر من 11 رافداً من روافد دجلة شمال العراق، وأبرزها العاصمة بغداد والكوت والقرنة والعمارة والمدائن والكحلاء والمجر وقلعة صالح والنعمانية والحي وبدرة وسامراء وتكريت وبيجي وبعقوبة والموصل شمال العراق.

ولا يقتصر الأمر على المدن الواقعة على نهر دجلة، لكن تجاوز ذلك إلى ضفاف نهر الفرات، حيث أدى انخفاض مناسيب النهر بشكل كبير إلى وصوله على هيئة ساقية متوسطة الحجم إلى مدن أقصى جنوب العراق.

وقال مسؤول في وزارة الموارد المائية لـ"العربي الجديد"، إنّ خطة عاجلة تمّ اتخاذها تضمن بقاء مياه الشرب والاستخدام المنزلي موجودة، لكن لا حصة للمزارع والأراضي الزراعية والمعامل الحكومية مضمونة حتى الآن.


وبيّن أن الوزارة تناقش البدء باستخدام خزين العراق الاستراتيجي من المياه الجوفية الموجودة لديه حالياً، وقد تشرع بعملية حفر الآبار في أكثر المناطق تضرراً.

وأعلن مركز إدارة الموارد المائية في وزارة الموارد، في وقت سابق من هذا الأسبوع، عن انخفاض الخزين المائي للعراق من 27 إلى 17 مليار لتر مكعب. وقال معاون مدير المركز علي حبيب المعموري، إنّ نهر دجلة انخفضت نسبة إطلاقاته من المنبع من 300 إلى 90 لترا مكعبا بالثانية".

وأضاف أن "الخزين المائي للعراق انخفض من 27 إلى 17 مليار لتر مكعب"، مبيناً أن "الخزين المائي آمن لمياه الشرب والاستخدام المنزلي بشكل كامل". وأكد أن "الأزمة ستنتهي بمجرد امتلاء السد، مشيراً إلى أن المدة التخمينية "تتراوح ما بين سنة وسنة ونصف وكلما تزايدت كميات الإمطار في تركيا قلّت المدة".

فيما أعلنت النائبة بالبرلمان العراقي زينب الخزرجي، بأن العراق دخل مرحلة الجفاف والخطر بعد تفاقم أزمة المياه، متهمة الحكومة بعدم اتخاذ أي إجراءات لمواجهة الأزمة.

وقالت الخزرجي في بيان تلقى "العربي الجديد"، نسخة منه، إن "الحكومة العراقية لحد الآن لم تتخذ أي إجراءات ضد شح المياه التي يمر بها البلد منذ فترة طويلة، والآن دخلنا مرحلة الجفاف بعد أن قطعت تركيا المياه عن العراق".

وأضافت أن "الأمر يتطلب إجراءات حقيقية لمنع حصول كارثة لبلدنا بسبب شح المياه التي نمر بها، وعلى الحكومة أن تُشعر الشعب بأنها المسؤولة على حقوقه وتحميه ليس بالكلام فقط". وفق البيان.

وحذرت دائرة الهجرة في محافظة ذي قار، اليوم الأربعاء، من حصول عمليات نزوح جماعية لأسر من مناطق ومدن عدة، أبرزها الإصلاح وسيد دخيل والجبايش ومناطق الأهوار بسبب شح المياه.

وقال مدير دائرة الهجرة، علي صالح الحلو، في مؤتمر صحافي نقله التلفزيون الحكومي العراقي إنّ "الدائرة أجرت زيارات ميدانية للمناطق المتوقع أن تشهد شح المياه أو جفاف الأنهار والجداول كقضاء سيد دخيل والإصلاح وأهوار قضاء الجبايش"، مبيناً أنه من المتوقع أن تكون هناك هجرات جماعية من تلك المدن في حال لم تحل أزمة المياه.

وتوقع الحلو "نزوح أكثر من ألف عائلة من محافظة ذي قار إلى مناطق تتوفر فيها مصادر المياه، بواقع 500 عائلة من مربي الحيوانات والمواشي من الإصلاح وسيد دخيل و500 عائلة أخرى من قضاء الجبايش والفهود كبداية فقط".

فيما أوضح عضو المجلس المحلي لمدينة الكوت (الحكومة المحلية) حسين الياسري، لـ"العربي الجديد"، بأن عدداً من محطات ضخّ مياه الشرب توقفت بفعل سحبها الطحالب والعوالق من قعر النهر وأخرى لم تعد الأنابيب مع مستوى المياه المتوفرة فيه. مبيناً أن سقي الأراضي الزراعية توقف وهناك فلاحون شرعوا فعلاً بحفر الآبار في أراضيهم الزراعية.

من جانبه حذر خبير بشؤون الموارد المائية العراقية، علي اللامي، من هجرة عكسية يشهدها العراق من مناطق الوسط والجنوب إلى شمال وغرب البلاد تفوق الهجرة التي تسبب بها "داعش" إذا ما استمرت تركيا بتقليل الإيرادات لدجلة.

وقال اللامي في تصريحات صحافية، إنّ "وزارة الموارد المائية فشلت فشلا ذريعا في إدارة ملفي المياه والتفاوض مع تركيا". وأضاف أن "تركيا التي تعد من أكبر دول العالم مائياً تنقل المياه لأراضي المشاريع والزراعة عبر الأنابيب لتجنب ضياعها وهدرها في وقت لا يزال العراق يعتمد بطرق الإرواء المعتمدة منذ العهد السومري".

وتابع أنّ "وزارة الموارد المائية في حواراتها مع تركيا تم الاتفاق على ضخ 90 ألف لتر مربع بالثانية بعد تشغيل سد أليسو، في وقت يحتاج العراق فقط في الجنوب إلى 50 ألف لتر مربع بالثانية لدفع مياه الخليج واللسان الملحي"، مبيناً أنه "لديمومة الحياة ودفع اللسان نحتاج إلى ثلاثة أضعاف ما تم الاتفاق بشأنه".

وأوضح أنه "في حال بقي الوضع على ما هو عليه، فإن العراق سيشهد هجرة عكسية من مناطق الجنوب والوسط إلى الشمال والغرب بعد جفاف الأنهر بأعداد تفوق ما نزح بسبب "داعش"، خصوصاً أنّ "امتلاء سدّ أليسو بحاجة إلى أكثر من ثلاث سنوات في حال كان الطقس جافاً، وسنة ونصف إذا ما كان موسم الشتاء رطباً ممطراً".

ودعا اللامي إلى "تحويل ملف تفاوض المياه من الموارد المائية إلى وزارة الخارجية كونه ملفاً سياسياً"، لافتاً إلى أن "وزارة الخارجية يجب أن تتبع عدة أساليب مع تركيا، منها الترهيب والترغيب والتهديد المبطن بمحاربتها بأمور أخرى إذا ما استمرت بسياستها". وأكّد بأن "الإضرار ليس بالمياه فقط، وإنما تترتب عليها أمور بيئية ونقص في الطاقة وتوطين السكن وغيرها".