حرب الجرافات... فلسطينيو الداخل في وجه إسرائيل

حرب الجرافات... فلسطينيو الداخل في وجه إسرائيل

01 يوليو 2018
انتهاكات الإدارة الإسرائيلية ضد عرب الداخل مستمرة (مأمون وزوز/الأناضول)
+ الخط -
التمييز المستمر ضد فلسطينيي الداخل المحتل عام 1948 يستهدف كثيراً من ممتلكاتهم ونشاطاتهم. من ذلك استمرار السلطات الإسرائيلية في هدم المنازل التي تعتبرها مخالفة، متجاوزة مبادئ المساواة التي تدعيها

بعد نحو عام على إقرار قانون "كامينتس" الإسرائيلي الذي يفوح منه التمييز، بدأت تتسارع، في الأيام الأخيرة، عمليات هدم المباني السكنية والزراعية التابعة لفلسطينيي 1948، فقد طاول الهدم مباني عدة في شفا عمرو وطمرة ومنشية زبدة قرب حيفا، وجلجولية في المثلث، فضلاً عن بلدات في الجنوب، إذ هدمت الجرافات بيوتاً ومنشآت في العراقيب بالنقب، للمرة الـ130، وهي القرية التي لا تعترف بها الإدارة الإسرائيلية ويرفض أهاليها إخلاء أراضيهم، وأيّ تسوية غير الاعتراف بها والسماح لهم بالبناء على أراضي الآباء والأجداد. قانون "كامينتس" هذا يستهدف البيوت العربية في الداخل الفلسطيني، ويسرّع في هدمها، كما يقوّض صلاحيات المحاكم في ما يتعلق بتجميد أوامر الهدم.

تشير مصادر إلى أنّ أكثر من 50 ألف بيت في الداخل الفلسطيني مهدد بالهدم من قبل المؤسسة الإسرائيلية، التي تواصل سياسة التضييق على العرب في الأراضي المحتلة عام 1948 في قضايا الأرض والسكن، ومجالات أخرى.




جماهير هادئة
يرى النائب العربي في الكنيست جمعة زبارقة (التجمع الوطني الديمقراطي/ القائمة المشتركة) أنّ "إسرائيل بدأت حرب الجرافات ضد مجتمعنا العربي في الداخل. فوتيرة الهدم تتسارع كما نرى على أرض الواقع في هذه المرحلة. وللأسف، فإنّ عدم ارتقاء رد الفعل الشعبي إلى المستوى المطلوب يشجع المؤسسة الإسرائيلية على المضي قدماً في عمليات الهدم". يقدم الزبارقة في حديثه إلى "العربي الجديد" مثالاً أنّ "هناك نحو 5 بيوت مهددة بالهدم الفوري في مدينة اللد، وأيضاً 15 بيتاً في مرحلة لاحقة قد تكون قريبة من الهدم. هناك نحو 50 شخصاً، يتظاهرون يومياً أمام البلدية والمؤسسات الرسمية الإسرائيلية ويحدثون بعض التشويش في الحياة اليومية، لكنّ هذا العدد لا يكفي، وإن كان يساعد أحياناً في إرجاء الهدم ولو إلى حين".

يتابع: "لا يختلف اثنان على أنّ الهدم سيئ، لكنّ الأسوأ برأيي هو هدوء جماهيرنا القاتل. عمليات الهدم باتت تمر بسلام بالنسبة لما كان في فترات سابقة، سواء على المستوى الشعبي، أو حتى عبر مؤسساتنا العربية في الداخل، وهذا الأمر يحتاج إلى وقفة مع الذات. الوضع خطير جداً على وجودنا. مر نحو عام على إقرار قانون كامينتس الذي يهدف الى تعزيز عمليات هدم البيوت العربية. القانون أعطى مهلة سنتين لترتيب قضية البيوت غير المرخصة وجعلها قانونية، لكنّ هذه الفترة ليست كافية، لأنّ هناك تعقيدات كثيرة تواجه ترخيص البيوت العربية، تضعها المؤسسة الإسرائيلية نفسها، وبالتالي تعيق تنظيم البيوت، خصوصاً أنّ الشروط تعجيزية بل شبه مستحيلة". يتابع: "كذلك، فإنّ الميزانيات التي رُصدت للتخطيط بقيت على الورق، إذ لم تحصل كلّ السلطات المحلية العربية على الميزانيات اللازمة من قبل الحكومة، والسلطات المحلية ليست لديها مخططات تفصيلية، وهي في حاجة إلى وقت طويل يمتد سنوات وليس سنتين. معظم العراقيل تأتي من قبل الحكومة وليس بسبب قصور سلطاتنا المحلية".

يضيف الزبارقة أنّ "هناك عدة مسارات علينا أن نناضل عبرها، أولها المسار القضائي، لكنّ هذا المسار لن ينصفنا بكلّ تأكيد، وبالتالي يبقى المسار الأهم هو المسار الجماهيري الشعبي. هذا ما يجب أن نعوّل عليه وليس المسار القضائي. هذا ما ينقصنا في هذه المرحلة. أيضاً على أعضاء لجنة التدويل في القائمة المشتركة أن يعززوا نشاط اللجنة وتحركاتها في سبيل تدويل القضية. هذا مهم جداً، لأنّ إسرائيل، وإن كانت متغطرسة، لا بد أن تتأثر بضغوط الدول الأخرى والمؤسسات الدولية".

في مواجهة الشرطة (فرانس برس) 












التسوية المحتملة

مخطط المدن، المهندس وجدي خلايلة، يقول: "نلاحظ أنّ المؤسسة الإسرائيلية تعجّل في تطبيق قانون كامينتس، وتزيد الغرامات المالية على البناء غير القانوني، فضلاً عن تسريع الهدم. جرى تحديد ميزانيات وتحديد فترة سنتين لتتولى السلطات المحلية تقديم الخرائط المطلوبة، لكنّ تطبيق هذا الأمر على أرض الواقع مستحيل، وبالتالي من الواضح أنّ نوايا الحكومة غير صادقة. لا يمكن إعداد خرائط تفصيلية خلال عامين، فمن ناحية جرى سنّ القانون أساساً، ومن ناحية أخرى، فإنّ الحكومة الاسرائيلية لم تعتمد لجاننا لتسريع إعداد الخرائط، وهنا تكمن المشكلة، وبالتالي فإنّ القانون يقربنا أكثر من الهدم ويبعدنا عن الحلول".

يضيف في حديثه إلى "العربي الجديد" أنّ "حاجة البلدات العربية تتجاوز الـ20 ألف وحدة سكنية كلّ عام، وهذا ما لا يتوفر. جرى الاتفاق بين السلطات المحلية العربية والحكومة على خطة استراتيجية، واتخذ فيها قرار حكومي منذ نحو عامين، لكنّ هذا الرقم لم يتحقق ولم يبلغ حتى النصف". يتابع: "لدينا مشكلة في البلدات العربية الكبيرة (15 بلدة)، التي وقّعت على اتفاقية مع وزارة الإسكان الإسرائيلية في محاولة لتوفير حلول، لكن، في الواقع لم تحصل هذه البلدات على الميزانيات التي جرى الاتفاق عليها. كمرحلة أولى بحسب الاتفاق كان يجب أن تحصل هذه البلدات على 83 مليون شيكل لتنظيم قضايا السكن ووضع الخرائط اللازمة، لكن، فعلياً حصلت من الحكومة فقط على نحو 27 مليون شيكل أو أقل. حتى البلدات التي جرى تقديم الخرائط الهيكلية فيها، فإنّ الأمر لا يتوقف هنا، فهي تحتاج في المرحلة التالية الى خرائط مفصّلة، وفي مرحلة ثالثة إلى خرائط توحيد وتقسيم، وهذا يحتاج إلى سنوات. إذا وجدت خارطة هيكلية فإن المرحلتين الأخيرتين تحتاجان إلى نحو 6 سنوات، وإذا لم تتوفر فالوقت أطول".

يضيف: "هذا معناه أنّه لا رخص للبناء، فيما الحاجة نتيجة الزيادة الطبيعية تدفع الناس إلى البناء حتى من دون رخص. الحلّ الذي نحتاج إليه يكمن في تجميد هدم أكثر من 50 ألف بيت عربي، صدرت في حقها أوامر هدم. يمكن التوصل إلى اتفاق تتعهد فيه السلطات المحلية العربية بمنع أي بناء جديد من دون رخص في مناطق نفوذها، لكن قبل هذا يجب أن تكون هناك نوايا صادقة من قبل الحكومة الإسرائيلية - وهنا المشكلة - من أجل تعجيل الخرائط التي تودع في المؤسسات الرسمية، وعدم المماطلة فيها لسنوات. الحكومة بدأت في تنفيذ قانون كامينتس، وتتذرع بأنّها منحت الميزانيات للخرائط، لكنّ هذا ليس دقيقاً".




مشاريع غير ملائمة
وضعت الحكومة الإسرائيلية في السنوات الأخيرة مخططاً إسكانياً، وجهته على المستوى النظري إلى جميع المواطنين، لكنّه من الناحية العملية غير ملائم لفلسطينيي الداخل، لا على المستوى المالي ولا الاجتماعي. يقول خلايلة في هذا السياق: "عندما نتحدث اليوم عن توسيع المسطحات فإنّ 70 في المائة من الناس في البلدات العربية ليست لديهم أراضٍ، والحلّ يكمن بالحصول على قسائم بناء مما يُسمى أراضي الدولة، ومثل هذه الأراضي أيضاً قليلة نسبياً في البلدات العربية، وحتى المتوفر منها يُسوَّق بطرق غير ملائمة للمجتمع العربي في الداخل".

"السعر للساكن" كانت إحدى أكبر خطط الحكومة الإسرائيلية لتوفير حل لمشكلة الغلاء في السكن في السنوات الأخيرة، ولتي تمنح أراضي بأسعار مخفضة نسبياً، والمقاول الذي يقدم أقل سعر للبناء يفوز بالمناقصة. المشكلة أنّ المؤسسات الحكومية تضع معايير ملائمة للوسط اليهودي من حيث القوة المالية والشرائية، وليس للمجتمع العربي الفقير، إذ لا يمكن مقارنة دخل الفرد فيه بمعدل الدخل عند الفرد اليهودي. يقول خلايلة: "السعر الذي يعتبرونه مقبولاً عندهم كبير علينا بالمعدل العام. سعر البيت يُقاس بعدد أشهر العمل الذي نحتاج إليه لكي نتمكن من شراء بيت. على سبيل المثال، إذا كان المعدل في البلاد هو العمل 155 شهراً، فإنّ الفرد العربي يحتاج بالمعدل إلى العمل 170 شهراً أو أكثر ليتمكن من اقتناء شقة سكنية".

يتابع: "حتى حين حددت الحكومة الفئات التي يمكنها الحصول على شقة سكنية في إطار هذا المخطط، ذكرت المتزوجين أو العازبين فوق 35 عاماً، وهذا لا يلائمنا كمجتمع عربي، فالمتزوجون يكونون قد تدبّروا أمورهم حتى لو كان ذلك من خلال الاستئجار أو البيوت غير المرخصة. لذلك نرى اليوم أنّ 122 ألف شخص حصلوا على شهادات استحقاق في البلدات اليهودية لشراء بيوت، فيما كان العدد عند العرب أقل من 1000 شخص، خصوصاً أنّ أهل مجتمعنا العربي لا يعرفون الكثير عن المشروع، وتبدو الحكومة غير معنية بتسويقه عند العرب، بالرغم من أنّ المعلومات متوافرة بشكل كبير باللغة العبرية".

في النقب (فرانس برس) 












الراية البيضاء ممنوعة

بدوره، يوضح مازن غنايم، رئيس بلدية سخنين، ورئيس اللجنة القُطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية في الداخل الفلسطيني، لـ"العربي الجديد"، أنّ الحكومة الإسرائيلية تعمّق أزمة الإسكان في المجتمع العربي في الداخل، من خلال سياساتها، فضلاً عن عدم التزامها بالاتفاقيات التي يجري التوصل إليها بين الطرفين.

يقول غنايم: "أكثر جسم عمل من أجل تجميد أوامر الهدم هو اللجنة القُطرية. كان لنا مع مركّبات القائمة المشتركة اجتماع مع ايريز كامينتس، الذي يحمل القانون اسمه، ومع المستشار القضائي للحكومة، وأطلعناهما على خطورة هدم البناء غير المنظم في المجتمع العربي. أوضحنا أنّنا كمجتمع عربي لا نبني لأنّ الحكومة لا توفر الميزانيات لكي نخطط تخطيطاً سليماً لبلداتنا العربية. اتفقنا على أن يتم تجميد الهدم لفترة تراوح بين عامين ونصف العام وثلاثة أعوام، وأن نعمل معاً لإيجاد الحلول. نحن كسلطات محلية لدينا الجرأة لنأخذ على عاتقنا منع أي مواطن من البناء خارج الخط الأزرق (مناطق نفوذ البلدات)، لكن حتى اليوم لا تجاوب أحد معنا".

يتابع: "طالما أنّ 40 في المائة من مدننا وقرانا العربية اليوم من دون خرائط هيكلية شمولية، ومن دون تخطيط ومن دون ميزانيات ملائمة لتوسيع مناطق النفوذ والمسطحات، فهذا يعني عملياً أنّ لدينا مشكلة حقيقية. اليوم من لديه 4 أو 5 شباب ولديه أرض خارج المسطح، فإنّه لا يملك أيّ حل إلّا أن يبني فيها. لكن من جهة ثانية، تقول الحكومة إنّ كلّ من يبني خارج الخط الأزرق سنهدم بيته. هذه السياسة يدفع ثمنها المجتمع العربي في الداخل. وحتى لو كانت لدينا أراضٍ وأعطونا الأموال اللازمة، فنحن نحتاج إلى ما بين 7 و8 سنوات لوضع الخرائط المطلوبة، بسبب المؤسسات الحكومية وليس بسببنا. دولة تحترم نفسها لا تعرقل الخرائط لمدة كهذه، فلو أنّ الحكومة جادة بحلّ الأزمة، عليها في غضون عام أن تحلّ مشاكلنا. من بنوا من دون تراخيص فعلوا ذلك لأنّهم لا يملكون حلولاً أخرى".




يلفت غنايم إلى أنّ "هناك فتوراً في ردّ الفعل العربي في الداخل، وهذا إن دلّ على شيء فهو يدلّ على يأس المواطن العربي. فلو خرج للتعبير عن رأيه في تظاهرة سلميّة، وجد نفسه في السجن وفرضت عليه غرامات عالية، انتقاماً منه. مع هذا كله، يجب عدم الاستسلام، وعدم رفع الرايات البيضاء، فالنضال الشعبي مهم جداً، وعلينا أن نواصل المطالبة بحقوقنا، حتى لو كان الثمن اعتقالنا وتغريمنا".