"منطقة القزازين"... تَجَمُّع صانعي الزجاج في غزة

"منطقة القزازين"... تَجَمُّع صانعي الزجاج في غزة

28 يونيو 2018
صناعة وتلوين الزجاج تأثرا بسبب الحصار (عبدالحكيم أبو رياش)
+ الخط -
تتلاصق محال وورش في "منطقة القزازين"، الواقعة في شارع الوحدة، بالقرب من ميدان فلسطين وسط مدينة غزة، وتبدأ من موقف جباليا شرقاً، حتى الشعبية غرباً، وتمتد إلى السامر جنوباً، حتى ساحة ميدان فلسطين شرقاً، إذ يضم المربع العديد من محترفي تشكيل الزجاج.

ويقف صاحب كل ورشة من الورش المكتظة بألواح الزجاج الضخمة، أمام طاولة مخصصة لقص وتقطيع الزجاج حسب الأحجام والأشكال المطلوبة، باستخدام زاوية حديدية، ومشرط يطلق عليه اسم "ألمازة"، وأوراق حف وتنعيم الزوايا، حيث تتجاور تلك الطاولات، ويستعير الجيران أدوات العمل من بعضهم البعض.

"العربي الجديد" التقت بأحد أوائل أصحاب تلك الورش، الذي يعد أكبرهم سناً وأقدمهم في العمل، إذ كان الستيني أبو أحمد السوافيري، منشغلاً بتصفيف قطع الزجاج الكبيرة، لتجهيزها من أجل صنع رفوف زجاجية، وقطع أخرى للبراويز مختلفة الأحجام والأشكال.

ويقول (أبو أحمد) وهو خريج دبلوم صناعة من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" وأب لسبعة أبناء وثماني بنات، إنه بدأ العمل برفقة صديقه في بداية الثمانينيات، إذ كان صديقه يعمل عند "قزاز" قديم، وحاول أن يتعلم المهنة عن طريقه، لكنه لم يتمكن من ذلك، فذهب بنفسه للتعلم، إلى أن أتقن العمل.

يقول السوافيري: حين تعلمت قصّ الزجاج، قررت أن أغامر كي أتأكد من إتقاني لما تعلمته، إذ أمسكت اللوح الذي قمت بتخطيطه بالمشرط، وكسرته بقدمي، إذ وعدت نفسي أن أكون بين خيارين، إما أن ينجح تخطيط القطعة، أو أن تكسر القطعة، وتجرحني، غير أنه استدرك بالقول: "لكنني نجحت والحمد لله".

ويبين أنه وبعد نجاحه في تقطيع أول لوح زجاج، قرر توسعة عمله، وشراء كل المستلزمات الخاصة به، إلى جانب ماكينة "الشطف أو الكسحة" والتي تُنعم زوايا الزجاج بشكل نصف دائري، وقام بتطوير عمله وزيادة عدد العُمال، إلى أن أصبح معتمداً عند بعض المؤسسات، والوكالة، والبلديات، إلى جانب بعض أعمال مقاولات الشقق والأبراج السكنية.

ويتم استيراد الزجاج من جانب الاحتلال الإسرائيلي، ومن شركة عربية في مدينة القدس المحتلة، وفق السوافيري الذي يشير إلى أنّ هناك نوعين من الزجاج، الأول هو الزجاج (المُسكرن) والذي يتم تصميمه وفق الحجم المطلوب، ولا يمكن قصه، أما النوع الثاني فهو الزجاج العادي، والذي يتم قصه وتقطيعه والتحكم به حسب الحجم والغرض.

وعن منتجات تلك المحال، يبين أنه يتم تشكيل الشبابيك، الأبواب، الشرفات، الرفوف بمختلف أنواعها، زجاج السيارات، والباصات، البراويز، إلى جانب أشكال زجاجية فنية، لافتاً إلى أن الحركة التجارية اختلفت كثيراً منذ أحد عشر عاماً، نتيجة الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة، وسوء الأحوال الاقتصادية، وضعف الحركة الشرائية.

وعلى الرغم من تعرض الستيني السوافيري لعدد من الجراح خلال عمله، وكان أبرزها جرح أصابه في قدمه عام 1990 نتيجة ضغط العمل، وأدى إلى تغريزه بنحو 20 غرزة، إلا أنه ما زال يهوى مهنته، ويوضح أنه يجد سعادته المطلقة أمام طاولة العمل، ويطمح لتطوير عمله، وإدخال فرن كبير لصناعة الزجاج، لكن الجانب الإسرائيلي يمنع دخوله لغزة.

ويقول جاره أحمد عبد الله (40 عاماً)، وهو أب لابنين وثلاث بنات أنه بدأ العمل برفقة والده وهو في السادسة عشرة من عمره، مضيفاً: "كنت أحب مرافقة والدي إلى الورشة، ومراقبة عمله في تقطيع الزجاج، وصنع الأشكال المختلفة، إلى أن أصبحت عاشقاً للمهنة".

ويوضح أنه استقل عن والده قبل نحو خمسة عشر عاماً، بعد أن أتقن صناعة مختلف الأشكال الزجاجية، غير أن الجميع تعرضوا لانتكاسة كبيرة منذ بدء الحصار الإسرائيلي، إذ تضاعف سعر المتر الواحد نحو عشر مرات، حيث وصل سعره إلى مائة دولار، واقتصر حينها العمل على الضروريات فقط، إلى أن انخفض مجدداً، لكن الحركة التجارية ما زالت ضعيفة.


ويبين عبد الله لـ"العربي الجديد" أنّ أصحاب المهنة الواحدة في منطقة القزازين يتعاونون في ما بينهم، إذ يستعيرون من بعضهم الأدوات والمستلزمات الخاصة بالعمل، موضحاً أن أصحاب تلك المحال ورثوا مهنتهم "أباً عن جد"، وما زالوا يعتبرون مهنتهم تراثية، وهم الذين نشؤوا على حبها.

دلالات