المواجهات تشل الحديدة وتهجّر أهلها

المواجهات تشل الحديدة وتهجّر أهلها

28 يونيو 2018
يمنية صغيرة مهجّرة في الحديدة (Getty)
+ الخط -
"إمّا نموت من القصف أو الرصاص أو العطش أو الجوع، وإمّا نموت من الخوف والقلق". بهذه الكلمات اختصرت فاطمة إسماعيل حالتها، في ظلّ عدم قدرتها على النزوح من الحديدة. وتخبر "العربي الجديد" أنّهم لم يتمكّنوا من النزوح "لأسباب شخصية"، في حين تؤكد أنّ "الموت بالرصاص أو القذائف لا يخيفنا، بل نخاف من الموت البطيء بسبب الجوع أو العطش. لن أتحمّل رؤية أطفالي وهم يتلوّون جوعاً وعطشاً". وتشير إلى أنّ الحوثيين قطعوا المياه عن الحيّ التي تسكنه وعائلتها.

وكان الحوثيون قد عمدوا إلى حفر خنادق عميقة لقطع الطرقات بهدف منع أيّ تقدم للقوات الحكومية، الأمر الذي تسبب في إتلاف مواسير المياه التي تصل إلى منازل بعض الأحياء. وتسأل: "لا نريد النزوح، فهل يأتي قطع المياه عنّا عقاباً جماعياً؟ في إمكانهم قطع الطرقات بطريقة لا تتلف مواسير المياه". وتلفت إلى أنّها في هذه الأيام، تقطع مسافة طويلة لجلب قليل من الماء من مناطق بعيدة، "والخروج من المنزل في هذه الأوضاع مخاطرة كبيرة".




الحفريات والخنادق في وسط المدينة جعلت بعض الأحياء بحكم المعزولة تماماً عن بقية مناطق الحديدة، ليجبر ذلك عدداً كبيراً من السكان على مغادرة تلك الأحياء. لكنّ آخرين اضطروا إلى البقاء على الرغم من الظروف الصعبة التي يعيشونها. وفي السياق، يؤكد محمد الخميسي أنّ "الحوثيين في الحديدة حفروا خنادق وأقاموا سواتر ترابية مفخخة لقطع الطرقات كلياً أمام أيّ وافد إلى المدينة". ويشير إلى أنّ هذه الإجراءات دفعته إلى النزوح والاستقرار في مدينة باجل إلى شرق الحديدة. يضيف الخميسي لـ"العربي الجديد" أنّ "سيارات تابعة لمدنيين لم تكن تعرف بوجود تلك الخنادق، فسقطت فيها ليلاً لعدم توفّر الإضاءة. لكنّ الأسوأ يبقى أنّ الخنادق نفسها تسبّبت في قطع المياه عنّا كلياً، ونحن قد نتحمّل القصف لكنّنا لا نستطيع العيش من دون مياه والطرقات مغلقة".

ويوضح الخميسي أنّ مقوّمات الحياة في المدينة توقّفت تماماً، لافتاً إلى أنّه ينتظر شهرياً حوالة مالية من والده المقيم في السعودية. يتابع أنّ الحوالة هي "لتغطية تكاليف المعيشية الشهرية للأسرة، لكنّ المواجهات جعلت فروع شركات الصرافة والحوالات تغلق أبوابها". ويؤكد أنّ "كل المؤسسات الحكومية أغلقت أبوابها وباتت المدينة شبه مشلولة". وعن المحلات التجارية، يقول الخميسي إنّ "محلات تجارية كثيرة تقع جنوبي المدينة، أغلقت أبوابها إمّا بسبب قرب المواجهات وإمّا بسبب فرض السلطات في المدينة مبالغ مالية كبيرة يُطلَق عليها اسم المجهود الحربي. كذلك فإنّ الناس لا يعملون والتجارة متوقفة هذه الأيام من جرّاء عدم حصول الموظفين على رواتبهم وانعدام الأعمال".

والخميسي كان أحد الشهود على قصف طيران التحالف إحدى السيارات العسكرية في منطقة دوار المطاحن في أثناء نزوحه. يقول: "رأينا القصف بأعيننا وعندما سمعنا الانفجار اعتقدنا أنّنا نحن المستهدفون. لكنّ ذلك القصف تسبب في جرح بعض المدنيين كانوا في حافلة بالقرب من المكان المستهدف". ويكمل أنّ "القصف طاول جرافة كانت تحفر الخنادق في منقطة دوار المطاحن، وأخرى في منطقة يمن موبايل".

وحفر الخنادق وإقامة الحواجز الترابية وقطع الطرقات ليست هي ما يؤرّق سكان الحديدة فقط، بل كذلك الألغام والمقاتلون الوافدون من خارج المحافظة. ويتحدث عادل التهامي عن تمركز قناصة في مبانٍ مرتفعة في أحياء مأهولة بالسكان. يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "الحوثيين استقروا في الفنادق الموجودة في الشريط الساحلي، في حين تمركزت العربات والدبابات والمدافع في عدد كبير من الأحياء السكنية، وهو ما دفع سكان بعض تلك الأحياء إلى الخروج خوفاً من استهدافها بالطيران". يناشد التهامي "الحوثيين والتحالف بعدم قصف المنشآت الحكومية والبنى التحتية أو تحويلها إلى ثكنات عسكرية".

من جهة أخرى، تجدر الإشارة إلى أنّ خدمة الإنترنت انقطعت في عدد من مديريات محافظة الحديدة، منها الحالي والميناء وحيس والتحيتا وزبيد واللحية والدريهمي.




وكانت الأمم المتحدة قد أعلنت في وقت سابق، نزوح أكثر من أربعة آلاف أسرة يمنية من جرّاء القتال الدائر في محافظة الحديدة الساحلية، منذ بداية شهر يناير/ حزيران الجاري. وأفادت المنظمة في تقرير أصدره مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع لها في اليمن، بأنّ "الحرب قد تؤثر على حياة أكثر من 250 ألف مواطن في مدينة الحديدة".