هل يُفطَم مهد البشرية؟

هل يُفطَم مهد البشرية؟

27 يونيو 2018
صيد أسماك في منطقة توركانا (توني كارومبا/ فرانس برس)
+ الخط -

تُعَدّ منطقة "بحيرة توركانا" مهداً للبشرية بسبب وفرة الحفريات البشرية فيها، بالنسبة إلى عدد من علماء الأنثروبولوجيا. وكانت البحيرة الواقعة في الوادي المتصدع بكينيا قد عُرفت في السابق باسم "بحيرة رودولف"، وهي أكبر بحيرة صحراوية دائمة في العالم، فضلاً عن أنّها أكبر بحيرة قلوية على الصعيد العالمي، ورابع بحيرة مالحة لجهة الحجم عالمياً، في حين تغذيها ثلاثة أنهر هي "أومو" و"توركويل" و"كيريو". إلى ذلك، ولأنّها بلا منفذ تصريف، فإنّ ما تفقده من مياه يكون فقط عن طريق التبخر.

وتتميّز المنطقة بحدائق مدرجة على قائمة مواقع التراث العالمي التي ترعاها منظمة "يونسكو". وتقع حديقة "سيبيلوي" الوطنية على الشاطئ الشرقي للبحيرة، وفي قلب البحيرة تقع حديقتا الجزيرة الوسطى والجزيرة الجنوبية، وتشتهر كلّ منهما بالتماسيح النيلية، الأمر الذي يمثّل تهديداً دائماً للسياح.

تؤكد خبيرة الشؤون المائية، سامانثا سبونر، أنّ 14 في المائة من تدفّق مياه إثيوبيا يصل إلى البحيرة، بينما يصل إلى النيل في السودان نحو 70 في المائة. وقد ظلت إثيوبيا تعمل في الآونة الأخيرة على تطوير إمكاناتها في مجال الطاقة المائية لتلبية احتياجاتها المحلية من الكهرباء، وتصدير الطاقة إلى الدول المجاورة، مثلما تقوم بتطوير مصادر أخرى مختلفة، بما في ذلك إمكانات حوض "أومو جيبه"، من خلال سلسلة جيبي لسدود الطاقة الكهرومائية على طول النهر، الذي يعدّ الحبل السري لـ90% من المياه المتدفقة إلى البحيرة، والذي ينقل إلى جانب المياه العذبة المغذيات الحيوية (مثل النيتروجين) ويدعم البحيرة التي تُعدّ محفّزاً لتكاثر الأسماك.

وبات هذا التوجّه التنموي يهدد بـ"فطم" البحيرة عن التدفق المائي، إذ إنّ تنظيم تدفق مشروع "جيبي الثالث" واستخراج المياه سوف يؤدي إلى تغيير الهيدرولوجيا الطبيعية لنهر أومو بصورة دائمة، الأمر الذي قد يعمل على تدمير بيئة بحيرة توركانا ومصايد الأسماك فيها. وقد خصصت إثيوبيا أخيراً 50 ألف هكتار لتطوير مزرعة القطن الأجنبي، مع مخططات زراعية أخرى تتطلب كميات كبيرة من مياه الري، إذ إنّ هذه المزارع سوف تستنزف تدفق نهر أومو إلى بحيرة توركانا، وتزيد استنزاف التدفقات من مستويات الملوحة، وتتأثر البحيرة سلباً بالإطلاقات الكيميائية من تطوّرات المزارع.




يفيد موقع "إثيوميديا" بأنّه مع بداية تشغيل سد الطاقة الكهرومائية جيبي الثالث أخيراً، سُجّل قلق كبير من جرّاء التأثير الذي سوف يحدثه السدّ على المجتمعات المحلية التي تسكن حول مجرى النهر وكذلك التأثير على البيئة، ومن المتوقع أن يمتد الأثر إلى استنفاد البحيرة. ويُعَدّ سد جيبي الثالث المشروع الأكثر جدلاً في العالم. فعلى الرغم من رفض البنك الدولي تمويله، بدئ البناء ومن دون الحصول على ترخيص من وكالة حماية البيئة في إثيوبيا، في حين أُعدّت دراسة الأثر البيئي والاجتماعي بعد ثلاثة أعوام من بدء البناء، من دون ذكر تأثيره على كينيا... فهل يُصار إلى "فطم" البحيرة؟

*متخصص في شؤون البيئة

المساهمون