نقص أطباء التوليد والأمراض النسائيّة في مستشفيات تونس

نقص أطباء التوليد والأمراض النسائيّة في مستشفيات تونس

26 يونيو 2018
طبيبان في تونس (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -

تعاني المستشفيات الحكومية في تونس نقصاً في عدد أطباء التوليد والأمراض النسائيّة، ما يرفع نسبة الوفيات بين النساء أثناء الولادة. وتسعى الحكومة إلى زيادة أطباء الاختصاص في الجهات لرفع المستوى الصحي

ما زالت غالبيّة المستشفيات في الجهات الداخلية في تونس تعاني نقصاً كبيراً في أطباء التوليد، الذين يغيبون بشكل تام في بعضها. أمر أثار جدالاً كبيراً في أكثر من مناسبة، بسبب تكرار وفاة نساء حوامل، خلال نقلهن إلى المستشفيات أو خلال الولادة، نتيجة نقص أطباء الاختصاص.

أخيراً، شهد قسم التوليد في المستشفى الجهوي في محافظة قفصة وفاة امرأة كانت على وشك الولادة، إثر رفض الطبيبة المباشرة في قسم التوليد استقبالها بعدما فاجأتها آلام المخاض في مدينة قفصة. والسبب أنها تتحدر من منطقة القصرين، وعليها التوجه إلى منطقتها للولادة. وخلال توجهها إلى منطقتها، توفيت وجنينها بسبب إصابتها بنزيف حاد، ما أثار غضب واحتجاج أبناء الجهة، في وقت طالب أهل الضحية بفتح تحقيق.

كذلك توفيت امرأة حامل من منطقة تطاوين قبل فترة، خلال توجهها إلى أحد المستشفيات بسبب غياب طبيب نسائي في جهتها، في وقت أنجبت امرأة أخرى مولودها في حافلة خلال ذهابها إلى مستشفى فيها أطباء اختصاص.



وكثرت حالات وفاة النساء خلال الولادة أو توجههن إلى المستشفيات، في وقت تضطر نساء إلى الوضع في البيت بوسائل تقليدية، نتيجة التقصير وغياب الخدمات في أقسام الولادة في أكثر من ثلثي المستشفيات الحكومية. وبحسب دراسة أعدّها مركز المرأة العربية للتدريب والبحوث (كوثر)، يسجّل سنوياً وفاة نحو 80 امرأة أثناء الولادة من بين 200 ألف ولادة سنوياً. كما أن 90 في المائة من الولادات تحدث في المستشفيات الحكومية، ونحو 14 ألف ولادة في المنزل سنوياً، لا سيما في عدد من الولايات الداخلية، بسبب نقص أطباء الاختصاص وارتفاع كلفة الولادة التي لا تقدر على تحملها عائلات كثيرة.

في منطقة الروحية في محافظة سليانة شمال تونس، اضطرت وردة بن صالح (38 عاماً) إلى الإنجاب في المنزل أربع مرات، نتيجة غياب طبيب نسائي. تضيف أنّ عشرات النساء في منطقتها ما زلن يضعن مواليدهن في البيت، خصوصاً مع غياب أطباء الاختصاص وارتفاع أسعار الخدمات الطبية في القطاع الخاص.

وفي ديسمبر/ كانون الأول في عام 2015، أعلنت وزارة الصحة عن انطلاق برنامج دعم طب الاختصاص في الجهات ذات الأولوية. وأعلمت الإطارات الطبية الاستشفائية أن هذا البرنامج سينطلق خلال شهر يناير/ كانون الثاني في عام 2016 في المستشفيات الجهوية في كل من محافظات تطاوين وقبلي في الجنوب، والقصرين والكاف في الشمال، على أن تشمل التخصصات تلك المتعلقة بأمراض النساء والتوليد والتخدير والإنعاش والتصوير والجراحة العامة وجراحة العظام وطب الأطفال.



وصادق البرلمان في ميزانية الدولة لعام 2016 على الاعتمادات المخصصة لبرنامج دعم طب الاختصاص في الجهات ذات الأولوية، وقدرت بـ 31 مليون دولار سنوياً.
ومرة أخرى، أعلنت وزارة الصحة العام الماضي أنها ستنتدب 120 طبيباً من أصحاب الاختصاص، على أن تشمل تسعة تخصّصات، منها التخدير والإنعاش وطب النساء والتوليد وطب الأطفال وجراحة العظام والإنعاش الطبي والجراحة العامة وأمراض القلب والتصوير. وأكدت أنّ الصندوق الوطني للتأمين على المرض تعهد بتحويل 50 مليون دولار من الديون المتراكمة عليه لصالح المستشفيات.

مع ذلك، ما زالت الجهات الداخليّة تفتقر إلى أطباء الاختصاص، من بينهم أطباء التوليد والأمراض النسائية، بحسب الطبيب النسائي فوزي. ويقول لـ "العربي الجديد" إنه يرفض كغيره من أطباء الاختصاص العمل في أي جهة داخلية، نظراً لظروف العمل الصعبة وغياب الآلات الطبية الكافية، وعدم وجود سيّارات إسعاف لنقل المرضى والنساء الحوامل. ويؤكّد أنّ أي طبيب لن يرفض العمل في أي جهة إذا توفرت تلك التجهيزات والأدوات اللازمة للعمل. وفي حال حدوث أي مكروه، سيحمّل الطبيب المسؤولية.

ويشكو أطباء القطاع العام في المستشفيات المتمركزة في المدن من نقص أطباء الاختصاص، مطالبين بزيادة الانتدابات في المستشفيات الحكومية لتخفيف الضغط عليهم، إضافة إلى المطالبة بتوفير التجهيزات الكافية للعمل.

من جهته، يشير عميد الأطباء منير يوسف مقني، في حديث لـ "العربي الجديد"، إلى ارتفاع نسبة هجرة الأطباء، وقد بلغت 45 في المائة خلال العام الماضي، في مقابل 6 في المائة في عام 2013، من جملة الأطباء المسجلين بالعمادة. ويوضح أنه يمكن للعدد أن يتجاوز 500 طبيب خلال هذا العام. ويؤكّد هجرة عدد كبير من أطباء التوليد إلى دول الخليج، وآخرين من تخصصات مختلفة إلى دول أوروبية. يضيف أنّ هذا الأمر سيزيد من مشكلة نقص الأطباء في غالبية المستشفيات حتى في المدن وليس المناطق الداخلية فقط، ما سيؤدي إلى اللجوء إلى أطباء من الخارج لسد الشغور خلال السنوات المقبلة.

المساهمون