عبد العزيز محجوب... حكاية رجل تونسي من الزمن الجميل

عبد العزيز محجوب... حكاية رجل تونسي من الزمن الجميل

24 يونيو 2018
الشباب هم الذين سيقودون البلاد مستقبلاً (رسم: أنس عوض)
+ الخط -
كان للتونسي عبد العزيز محجوب حياة في ليبيا، قبل أن يعود إلى بلاده، ويرتدي أزياء تقليدية، محاولاً تذكير الجيل الجديد بالزمن الجميل 

بلباسه التقليدي وهو الشاشية التونسية، والمشموم الذي يضعه فوق أذنيه، وربطة عنقه الحمراء، وعكازه الخشبي الذي يضفي لمسة راقية على مظهره، والمنديل الأبيض فوق بدلته، يتجول السبعيني عبد العزيز محجوب في شوارع العاصمة تونس، وتحديداً في شارع الحبيب بورقيبة، مردّداً بعض الأغنيات التراثية القديمة.

يكاد يكون هذا السبعيني، ذو البشرة السمراء والملامح الهادئة، حاضراً في غالبية المناسبات والتظاهرات التي تقام وسط العاصمة التونسية. مؤخراً، بدأ يلفت الأنظار إليه، فيسارع المارة نحوه ويلتقطون صور "سيلفي" معه، ويتجمعون حوله، متسائلين عن سر أناقته التي تذكرهم بجيل الستينات والسبعينات. ويلقبه البعض برجل الزمن الجميل، ويناديه آخرون "بابا الحاج".
لكنّ وراء هذه الابتسامة التي لا تفارق محيّاه، يخفي عبد العزيز حزناً دفيناً وجرحاً عميقاً.

عاش حياته في ليبيا وتزوّج من ليبية وأنجبا أربعة أبناء. لكن منذ نحو أربع سنوات، قرّر العودة نهائياً إلى تونس، تاركا أعماله وزوجته وأبناءه في ليبيا، وقد اختار العيش بمفرده في منزل وسط العاصمة التونسية. يقول لـ "العربي الجديد" إنه بعد سنوات عدة قضاها في ليبيا، وفي ظل تفاقم المشاكل العائلية بسبب أطماع حول ثروته ومحاولات الاستيلاء عليها، قرر الرحيل تاركاً أبناءه هناك لأنهم اختاروا البقاء في ليبيا مع والدتهم. يضيف أنه لا يعرف عنهم أي شيء، فقد انقطعت أخبارهم ولم يزره أي منهم منذ سنوات. كما أنه لم يحاول زيارتهم في ليبيا مجدداً.

يقول إنّ العطف الذي وجده لدى التونسيين يكاد يعوضه عن الحنان الأسري وأجواء العائلة التي يفتقدها، وقد تحوّل الشارع إلى بيته الثاني، وتحوّل عابرو السبيل الذين يقابلهم صدفة وأحياناً لبضع دقائق إلى عائلته التي خسرها. "من الجيد أن تكون لديك عائلة. لكن عندما لا يكون لديك أحد وتجد كل هذه المحبة من الناس، فهذا شعور لا يوصف وتعويض من أشياء قد نحرم منها من دون إرادتنا".



ويؤكد أنه يعيش في ظروف جيدة جداً بحكم ظروفه المادية، إلا أنه يفضل البساطة وإدارة شؤونه بنفسه. يتولّى الطبخ والكنس والتنظيف والعناية بملابسه. صباحاً، يحمل القفة ويتوجه إلى السوق لاقتناء حاجياته. ويقضي غالبية وقته متجولاً بين المدينة العتيقة وشارع الحبيب بورقيبة للتسلية. لذلك، اعتاد البعض رؤيته دائماً في وسط العاصمة.

ويعدّ عبد العزيز نفسه أباً لكل التونسيين. يحب التحدّث إلى الناس، خصوصاً الشباب، لنصحهم. وكثيراً ما يتبادل النكات معهم. وكعادته، بأسلوبه اللبق وكلماته الطيبة، سرعان ما يكسب محبة وتعاطف كل الذين يصادفهم في طريقه.

وحول سرّ أناقته وعنايته بأدق التفاصيل، وسرّ الشاشية التونسية التي يرتديها دائماً، يقول إنه يحب التراث والعادات والأصالة و"روح تونس التي بتنا نفتقدها اليوم". يشير إلى "وجوب تذكير الشباب بلباسنا التقليدي. جيل اليوم لا يملك أي فكرة عن فترة الستينات والسبعينات"، مؤكداً أنه لا يبحث بزيه هذا عن شهرة زائفة أو لفت الأنظار إليه، بل في ملابسه رسالة إلى شباب اليوم. يريد تذكيرهم بالشاشية التونسية والماضي والزمن الجميل.

يقول إن جيله إلى زوال، والشباب هم الذين سيقودون البلاد مستقبلاً، وعليهم أن يتعرفوا إلى تراثهم إلى جانب مواكبتهم الموضة. ويشير إلى أنه يشعر بفخر كبير عندما يعرب له بعض الشباب عن سعادتهم، وهم يرونه بهذا اللباس وينادونه: "حاج يا حاج". يضيف مازحاً: "لا يتعلق الأمر بوسامتي، بل هناك عطش إلى الماضي وكل ماهو تقليدي في لباسنا". حتى أن بعضهم يسأله عن تفاصيل ويطلبون التقاط صورة معه للذكرى.

يضيف: "يا حسرة على باب سويقة وباب منارة وباب الجزيرة والمدينة العربي. هناك كنا نقضي ليالينا وكانت البلاد لا تخلو من حركة ونشاط خصوصاً في رمضان. جيلي لم يعرف المقاهي الفاخرة التي تنتشر اليوم في شارع الحبيب بورقيبة، ولم يعرف الملابس الحالية التي تستورد من الغرب والتي تفتقر في حالات كثيرة إلى الذوق. كنا نحرص على البساطة وحسن الذوق وهذا ما أريد إيصاله لجيل اليوم".



يحبّ عبد العزيز بلده تونس، خصوصاً شارع الحبيب بورقيبة لما يحمله من رمزية. ويرى أن السنوات التي قضاها في ليبيا حرمته من عيش بعض التفاصيل وزيارة سيدي بوسعيد والمدينة العتيقة وغيرها، وهي أماكن يحن إليها وتحمل في طياتها الكثير من ذكريات الأمس، طفولته وشبابه وأحلى سنوات عمره.

يلفت إلى أنّ "الشباب متى وجد من يوجّهه وينصحه، تراه يقبل النصيحة. كما أن لدى كثيرين حنينا للأصالة والملابس التقليدية". في بعض الأحيان، يرى فتيات يرتدين القميص التقليدي "فضيلة" والشاشية المزينة. كما يرتدي الشبان الشاشية التونسية وبعض القمصان التي أضيفت إليها لمسة عصرية وهو أمر يسعده كثيراً.