خريجون غير كفوئين في الجزائر

خريجون غير كفوئين في الجزائر

23 يونيو 2018
أمام كلية الحقوق في الجزائر (العربي الجديد)
+ الخط -
في برنامج مسابقات على قناة "الشروق" المحلية، يسأل مقدّم البرنامج محمد الفاتح طالبة اتصلت للمشاركة في المسابقة التفاعلية، حول أبرز مهرجان سينمائي في العالم. لم تعرف الإجابة، فحاول مساعدتها من خلال إخبارها أن اسم المهرجان هو على وزن فعل ماض ناقص، لكنّها لم تعرف الجواب. وزاد استغراب المذيع حين أبلغته أن تخصّصها أدبي.

لا يعكس هذا مجمل مستوى طلاب الجامعات الجزائرية، لكنه إشارة إلى التراجع الكبير في المستوى المعرفي والثقافي لطلاب الجامعات خلال السنوات الأخيرة، بفعل تراجع المطالعة والاهتمام بالنشاطات الثقافية، والمتابعة الإعلامية، والتركيز على وسائل التواصل الاجتماعي التي لعبت دوراً هاماً في تراجع القراءة، وتوجّه غالبية الطلاب الجامعيين للاعتماد عليها طلباً للمعرفة.

يقدّر عدد الطلاب الجامعيّين في الجزائر، بحسب وزارة التعليم العالي، بنحو مليونين في مختلف التخصصات، لكن ارتفاع عدد الطلاب الجامعيين تزامناً مع انتشار واسع للمراكز والمكتبات الجامعية في مجمل الولايات الـ 48، لم يساهم في رفع المستوى الثقافي للطلاب، بسبب عوامل عدة تعود أساساً إلى نقص الاهتمام بالمكتبات في المؤسسات التعليمية. كما تفتقد غالبية المدارس والثانويات لمكتبات تشجع التلاميذ والطلاب على القراءة، وينسحب الأمر على غالبية البلديات الجزائرية التي تفتقد بدورها لمكتبات تفاعلية ومؤسسات ثقافية حقيقية تعمل في هذا المجال. أحياناً، تحتضن مكتبات متواضعة لا تجدد بشكل يتماشى مع حركة النشر، على الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلتها الحكومة خلال العقد الأخير.




وتشير دراسة ميدانية ﺃﻋﺪّﻫﺎ ﻓﺮﻳﻖ ﻣﻦ ﺍﻷﺳﺎﺗﺬﺓ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﻴﻴﻦ إلى ﺃﻥ ﻧﺴﺒﺔ ﺍﻟﻘﺮاءة ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺰﺍﺋﺮ ﻻ ﺗﺘﺠﺎﻭﺯ السبعة في المائة، ﻭأن ﻧﺤﻮ ﻧﺼﻒ ﺍﻟﺠﺰﺍﺋﺮﻳﻴﻦ (اﻟﻌﺪﺩ ﺍﻹﺟﻤﺎﻟﻲ ﻟﻠﺴﻜﺎﻥ ﺃﺭﺑﻌﻮﻥ ﻣﻠﻴﻮﻧﺎً‏) ﻻ ﺗﺴﺘﻬﻮﻳﻬﻢ ﺍﻟﻘﺮﺍﺀﺓ. وفي استطلاع للرأي نظّمته المكتبة الوطنية في الجزائر، قال 35 في المائة إنهم لا يقرأون، إضافة إلى 30 في المائة أجابوا بعدم انتظامهم في القراءة.

ويقول الباحث الجامعي أيوب محمد، في دراسة نشرها بهذا الخصوص، إن ابتعاد المنظومة التربوية في الجزائر عن مبدأ الانتقاء أضرّ بها كثيراً، ووضعها في مصاف منظومة تحاول تحقيق العدالة الاجتماعية، وتسمح للجميع بالنجاح، من دون الانتقاء وتحقيق المنافسة بين الطلاب. ويشير إلى مظاهر بارزة تؤكد تراجع المستوى العلمي وانخفاضه لدى طلاب الجامعات، أهمها عدم تجاوب الطلاب أثناء التدريس والتركيز على الحصول على درجة النجاح، والشعور بعدم الانتماء إلى المؤسسة التعليمية والقسم العلمي، وضعف التنافس بين الطلاب، وضعف القدرة على التفكير والتحليل والاستنتاج لدى الطلاب، واعتمادهم على الحفظ".

تراجع المستوى الثقافي للطلاب الجامعيّين في الجزائر أدى إلى تراجع لافت في مستوى انخراطهم في القضايا السياسية والمدنية، وتراجع حضورهم في الفضاء العام والمبادرات المجتمعية. وللحكومة دورها في التأثير على المستوى الثقافي والمعرفي للطلاب، إذ تركز أولوياتها التعليمية على الأرقام المتعلقة بنشر وإنشاء المؤسسات التربوية والجامعية كهياكل من دون الانتباه إلى نوعية التعليم.

وغالباً ما تصدر الحكومة بيانات تتحدّث بلغة الأرقام عن مجموع الطلاب الحاصلين على شهادات البكالوريا وشهادات الليسانس وغيرها، من دون أن ينعكس ذلك على التحصيل الثقافي وسلوك الطلاب الجامعيّين. وما زاد من تأزّم الوضع زيادة عدد الجامعات، ما أدى إلى زيادة توظيف الأساتذة الجامعيين ذوي الخبرة المحدودة. وفي الوقت الحالي، بات تركيز الطالب الجامعي هو الحصول على شهادة تمكّنه من الولوج إلى سوق العمل، من دون الاهتمام بأي أساسات معرفية وثقافية.

إلى ذلك، تقول الباحثة فتيحة زماموش إن "المستوى التعليمي للطلاب في الجامعات تراجع بشكل لافت، بالمقارنة مع طلاب سنوات الثمانينيات والتسعينيات، وأحد الأسباب يتمثّل في تراكمات السنوات السوداء في الجزائر التي خلقت شرخاً كبيراً". وتشير إلى أن عدد الطلاب يغلب على المستوى المعرفي والتعليمي، الذي تراجع كثيراً بفعل التكنولوجيا التي أفقدت الطلاب حس المطالعة، على الرغم من أن القراءة عامل تفاعلي غير مستغل". وترى أن هذا يساهم في إضعاف المستوى التعليمي، لافتة إلى أن "التكنولوجيا دفعت الطالب الجامعي إلى استسهال التحصيل العلمي من دون اجتهاد أو الحصول على المعرفة".



من جهته، يتحدّث الباحث في علم الاجتماع نور الدين بكيس، عن أن تراجع المستوى الثقافي للطلاب يرتبط بغياب العوامل المحفزة. ويقول لـ"العربي الجديد" إن "المعرفة والثقافة منتجان اجتماعيّان. سابقاً، كان الجزائري يتمنّى أن يصبح ابنه مدرساً، لأنّه كان يشعر بمرارة الأمية التي كانت تقف حاجزاً أمام ترقيته. اليوم، لا يرى المجتمع في التمييز وسيلة لتحقيق الترقية المنشودة، بل الحصول على الشهادة الجامعية وتحقيق المساواة بين الطالب الممتاز والضعيف، لأن منظومة الترقية في الجزائر تعتمد مقاييس أخرى كالمحسوبية والاستخبارات والتلاعب بمسابقات التوظيف والتساهل مع الغش".

في هذا الإطار، يقول بكيس: "تساهل الوصاية والجامعات مع السرقات العلمية على أعلى مستوى، وقد أصبحت السرقات العلمية في أطروحات الدكتوراه أمراً عادياً. بالتالي، إذا كان الطالب الجامعي يستطيع الحصول على أعلى الشهادات بأقل جهد ممكن، فلماذا يحاول تقديم جهد إضافي لتطوير مستواه المعرفي الذي لا يعترف به المجتمع ولا تعترف به مؤسسات الدولة؟".

ويرى بكيس أن "الطالب الجامعي في الجزائر لا يجد نفسه مدفوعاً للتميز الثقافي والمعرفي بسبب غياب ضمانات ترقية النخب العلمية. كما أن العدد الهائل من الطلاب يغطي على وجود عدد كبير من المتميزين، على الأقل يمثلون ما بين 3 إلى 5 في المائة. وإذا كانت مقاييس ترقية المتميزين للمناصب القيادية في المجتمع تعطل وتسمح ببروز نخب زائفة في كل المجالات، فهذا لن يساهم في إبراز كفاءات المجتمع. لذلك، سيتحول رفع المستوى المعرفي في مثل هذه الأوضاع إلى رغبات شخصية".




لا يبدي غالبية الجزائريين رضاهم على المخرجات الثقافية والمعرفية للجامعات من خلال تراجع مستوى الطلاب على كل الأصعدة، ما يدفع الباحثين إلى دق ناقوس الخطر من احتمال أن تتحول الجامعة بسبب الخواء الفكري والثقافي إلى مؤسسة لتخريج العمال لا المتعلمين.

المساهمون