مكتبات مصر الحديثة

مكتبات مصر الحديثة

03 يونيو 2018
قرّاء في مكتبة الإسكندرية (Getty)
+ الخط -

إذا أخذنا بالإحصاءات المتوفرة على الإنترنت نجد أن عدد سكان مصر بات يزيد على مائة مليون نسمة يملكون حوالي 1200 مكتبة عامة و415 مكتبة متخصصة و254 مكتبة أكاديمية، أي أن المجموع الكلي لا يزيد على 1869 مكتبة، وهو عدد قليل لا يتناسب مع إتساع رقعة البلاد وعدد السكان، أو مع المقاييس العالمية التي تحدد أرقاماً أقل بكثير لمن يجب أن تخدمهم المكتبة، والذين يجب ألا يتجاوز عددهم الـ 65 ألف نسمة. وعليه يصبح المطلوب أن تملك مصر أكثر من 10 آلاف مكتبة لتسد الفجوة الحاصلة بين عدد السكان وعدد المكتبات. هذا مع العلم أن الكثير من الدول تجاوز التقدير المحدد لجمهور المكتبة، ففي أميركا مثلاً تخدم المكتبة ما يقارب 18 ألف نسمة، وفي اليابان 40 ألفاً، وبينهما نجد أعداداً أقل أو أكثر في دول أوروبا وآسيا وغيرها.

لكن إمعان النظر، ورغم وجود مكتبات مشهورة ومعروفة على الصعيد العالمي أبرزها دون منازع دار الكتب الوطنية ومكتبة الاسكندرية وغيرهما من المكتبات الكبرى، يتبين هناك مصدر خلل أشد خطورة من النقص العددي. إذ إن معظم المكتبات تتركز في القاهرة لأسباب تاريخية وراهنة، ويليها مدينة الإسكندرية، ثم تأتي المدن الرئيسية بمراكز المحافظات ولا سيما في منطقة الدلتا، ما يعني أننا كلما توغلنا جنوباً باتجاه الصعيد، أو خرجنا من حدود العاصمة والدلتا نلمس نقصاً في عديد المكتبات العامة والأكاديمة على حد سواء.

ولا يبدو في الأفق ما يؤشر في ظل الضائقة الاقتصادية التي تمر بها مصر أن هناك توجهاً نحو إعادة النظر بالوضع القائم واعتماد مخطط استراتيجي يجري فيه إعادة تحديد أعداد وأهداف المكتبات ونشرها لتطاول مختلف أجزاء البلاد. هذا مع العلم أن نقص الإمكانات يقود إلى فقر في موجودات المكتبات وتقادم المصادر التي تضمها مهما كان مكانها. وبالنظر إلى ما تعانيه البلاد من تراجع في مداخيلها وانعكاسه على موازنة وزارة الثقافة أكثر من سواها تعجز الأخيرة عن توفير الاعتمادات اللازمة لحصول المكتبات على التكنولوجيا الحديثة والاتصال مع شبكات الإنترنت في العالم. كذلك تعاني من القصور في شراء أعداد من الأجهزة السمعية البصرية وباقي التجهيزات.


ومن المعروف أن الحصول على التقنيات الجيدة والمجموعات والمصادر الخارجية يتطلب إنفاقاً كبيراً وبالعملة الصعبة التي ترتفع أسعارها في السوق. ويقود ضعف الأموال المرصودة إلى تراجع في مستوى توفير الموارد البشرية أيضاً، ويحول دون إجتذاب العناصر الكفوءة المتخصصة، ويمنع إجراء دورات تدريبية للعاملين. والأفدح أنه يمنع تنويع أنشطة المكتبة لجذب أوسع أقسام من الجمهور عبر تقديم العروض الموسيقية والفنية والمسرحية وتنظيم المعارض التي تحتاج إلى نفقات لا تتيسر لاستقدام الفرق والفنانيين والشعراء وتأمين إقامتهم.

كل هذه العناصر تجعل المكتبة عبارة عن مبنى هامشي في الحياة العامة. ثم تأتي ثالثة الأثافي ممثلة بارتفاع نسب الأمية بأشكالها وأنواعها لتقود إلى عدم الإفادة من المتوفر من مكتبات عامة ومتخصصة وأكاديمية. وهكذا تفتقد الدولة التي نشأت المكتبة والنهضة الحديثة بين ربوعها هذا النزوع نحو القراءة باعتبارها مفتاح مفاتيح التقدم.

*باحث وأستاذ جامعي

المساهمون