لا أطباء ذكوراً للتوليد والنسائية في إيران

لا أطباء ذكوراً للتوليد والنسائية في إيران

03 يونيو 2018
غلبة كبيرة للنساء في هذا الاختصاص (قوي كاظمي/ Getty)
+ الخط -

قبل الثورة الإيرانية عام 1979، كانت جميع الاختصاصات الطبية وغيرها مفتوحة للجنسين، لكنّ الحظر جاء بعدها على تخصص الذكور في التوليد وأمراض النساء، لدواعٍ دينية، فما الوضع اليوم؟

قد يفاجأ البعض من ندرة الأطباء المتخصصين في التوليد وأمراض النساء في إيران، مقابل أعداد كبيرة من الطبيبات في الاختصاص نفسه. هذا الأمر ليس ناجماً عن صدفة أو لتفضيل الطبيبات متابعة دراسة هذا الاختصاص دون غيره، ففي إيران لا يسمح للرجال بالتخصص في التوليد وأمراض النساء بقرار رسمي صادر منذ سنوات عقب انتصار الثورة الإسلامية عام 1979، ويرتبط هذا بشكل رئيس بالشرع.

في بحث بسيط على مواقع الإنترنت عن المتخصصين في هذا المجال، سيجد المرء أسماء معدودة للغاية لأطباء رجال. ومع التجول في شوارع العاصمة طهران، لن يجد إلّا في ما ندر لوحة لطبيب متخصص في التوليد وأمراض النساء. وإن عثر على واحدة، فيكون صاحبها واحداً من حالتين، إما أنّه درس هذا الاختصاص قبل الثورة، وهو ما يعني أنّ سنّه كبير الآن، أو تخصص في الخارج في سنوات أعقبت الثورة، وتمكن من معادلة شهادته حديثاً في إيران، والعدد في الحالة الأخيرة ما زال قليلاً جداً.

الدكتور فاني سالك أحد هؤلاء، فقد حصل على شهادته في هذا الاختصاص من الولايات المتحدة الأميركية. يقول لـ"العربي الجديد" إنّه لا يجد ضيراً في أن يكون هذا الاختصاص مفتوحاً أمام الجنسين، بالرغم من تفضيل كثيرات في الشارع الإيراني مراجعة طبيبة بدلاً من طبيب، بحسب تعبيره. يضيف أنّه يزاول مهنته في الداخل الإيراني منذ سنوات، ولديه مراجعات كثيرات، معتبراً أنّه "لا فرق بين الطبيب والطبيبة في مختلف الاختصاصات، فكما يحق للسيدات دراسة كلّ المجالات، يجب أن يكون هذا متاحاً للرجال أيضاً".


يشيد سالك بخطوة اتخذتها وزيرة الصحة السابقة، مرضية وحيد دستجردي (2009- 2013)، كونها ساهمت في الموافقة على السماح لمن يتخصصون في هذا المجال من الأطباء الرجال في الخارج بالعودة ومعادلة شهاداتهم ومزاولة عملهم في إيران، وهي أول وزيرة أنثى في تاريخ الجمهورية الإسلامية، وتحمل شهادة الطب في اختصاص التوليد والنساء أيضاً.

هناك كثيرون يعترضون على قرار المنع من الأطباء والطبيبات على حد سواء، فرئيس نقابة جراحي إيران، إيرج فاضل، قال سابقاً إنّ إيران ليست البلد الأول الذي يفتح هذا الاختصاص للنساء فقط، بل سبقته باكستان، لكنّه أبدى تحفظاً على الأمر. وسجل الطبيب محمود متين، وهو أيضاً في الاختصاص نفسه، اعتراضه لدى الدوائر المعنية، مبرراً الأمر بأنّ عدداً كبيراً من الطبيبات لا يستطعن الذهاب إلى مستشفيات ومستوصفات المناطق النائية ويفضلن العمل في المدن وبالقرب من أماكن إقامتهن، بينما يستطيع الأطباء السفر إليها، وهو ما يعني نقصاً في الأعداد في القرى والأماكن البعيدة. يشير إلى أنّ الشرع لا يتنافى والعقل في هذه الحالة.

توافق الطبيبة فدايي، وهي تحمل شهادة في الاختصاص نفسه، وتعمل في مستشفيات حكومية في العاصمة طهران على هذا الكلام، وتقول إنّ الأهم في الطب هو النجاح ومزاولة العمل بإخلاص وتفانٍ، ولا تعتبر أنّ دخول الرجال إلى هذا الاختصاص يتنافى والإسلام، فحالهم كحال النساء اللواتي درسن اختصاصات جامعية قد لا تفضلها كثيرات، ويراها بعضهم حكراً على الرجال، لكنهن نجحن وتفوّقن. مع ذلك، تؤكد فدايي لـ"العربي الجديد" أنّ غالبية الإيرانيات يفضلن الذهاب إلى طبيبات، كما يفضل أغلب الإيرانيين مراجعة طبيب متخصص بدلاً من الطبيبة إذا ما واجهت أحدهم مشكلة صحية تناسلية أو بولية، على سبيل المثال، وهو ما لا يجعل من قرار المنع مشكلة كبرى.

نساء إيران يفضلن الطبيبات (قوي كاظمي/Getty) 

مقابل وجهة النظر هذه، يستغرب كثيرون طرح السؤال أساساً، ولا يرون في الأمر تمييزاً بحق الرجال، ومنهم الدكتورة سحر نوقبايي، وهي الحاصلة على شهادة الدكتوراه في القبالة، وهو اختصاص في الصحة الإنجابية ورعاية النساء المقبلات على الولادة، تعمل فيه الاختصاصيات كمساعدات في عيادات طبيبات الأمراض النسائية. توافق نوقبايي على قرار المنع الذي يعود إلى عقود، لكنّ تأثيراته تبدو واضحة اليوم بعد وفاة أو ارتفاع سنّ الأطباء الذين تخصصوا في التوليد في سنوات ما قبل الثورة. تعتبره أمراً سليماً: "لدى كثيرين قناعة بأنّ الأطباء الرجال أفضل من الطبيبات في عدد من الاختصاصات، لكنّ المرأة استطاعت أن تثبت أنّها تحلّ بجدارة مكان الطبيب الرجل، خصوصاً أنّ أعمار أطباء التوليد المتوفرين حالياً أصبحت كبيرة". تنفي نوقبايي لـ"العربي الجديد" أن تكون وجهة نظرها هذه مرتبطة بالتعصب الديني، وتقول إنّ المجتمع لا يرى في قرار المنع عائقاً، فالسيدات يفضلن معاينتهن من قبل الطبيبات على الذهاب إلى الأطباء. تستند في هذا إلى ملاحظاتها الشخصية في العيادات.

في المقابل، تقول طاهرة، وهي حامل في شهرها السادس، إنّه لم يخطر في بالها أصلاً أن تزور اختصاصي توليد، ولا ترى حاجة لذلك طالما أن هناك عدداً كبيراً من الاختصاصيات المتميزات. راحلة لا توافقها الرأي، وهي التي عانت مشكلات في الإنجاب سابقاً، وراجعت طبيباً يحمل شهادة من الخارج، كبير في السن، وهو ما يعني أنّ خبرته واسعة بحسب رأيها. إلّا أنّ راحلة لا تنفي أنّ نساء كثيرات يفضلن مراجعة الطبيبات.


لا ينطبق هذا التمييز على أيّ من الاختصاصات الجامعية الأخرى خارج كلية الطب، كما يقول الطالب، نويد جولايي، إذ يؤكد أنّ كلّ الاختصاصات متاحة ومختلطة ومفتوحة أمام الجنسين في الجامعات الحكومية، إلّا أنّ بعض الجامعات الخاصة تقبل الطلاب ولا تسمح بتسجيل الطالبات في بعض الفروع التقنية الهندسية.

بدورها، تؤكد لعيا بخت، طالبة الطب البشري، أنّ كلّ الطلاب والطالبات خلال سنوات دراسة الطب العام يدرسون الأمراض النسائية ويتعلمون التوليد، لكنّ مسألة المنع تنحصر في الاختصاص خلال سنوات الطب العليا فقط. تشير بخت أيضاً إلى اختصاصات طبية لا تقبل عليها الطالبات من قبيل البولية والتناسلية، فتمنحهم بعض الجامعات تسهيلات، في محاولة لتشجيع الطبيبات علّهن يتخصصن في هذا المجال، لكن كثيرات يفضلن اختصاصات أخرى، وعلى رأسها التوليد وأمراض النساء لأنّه أفضل، وعدد المراجعات إلى العيادات فيه أعلى، بحسب وصفها.

دلالات

المساهمون