غلاء ثمّ طلاق في مصر

غلاء ثمّ طلاق في مصر

03 يونيو 2018
ما مصير علاقتهما؟ (Getty)
+ الخط -

يؤثّر تدهور الأوضاع الاقتصادية الذي تخبره مصر سلباً في الحياة الأسرية، وتُسجَّل زيادة في تفكك العلاقات الزوجية خصوصاً بين الشباب والمتزوجين حديثاً. ويؤكد قطاع مصلحة الأحوال المدنية في وزارة الداخلية المصرية المسؤول عن توثيق عقود الزواج والطلاق، ارتفاع عدد حالات الطلاق خلال الربع الأول (الأشهر الثلاثة الأولى) من العام الجاري إلى 25 ألف حالة شهرياً، بزيادة خمسة آلاف حالة عن كلّ شهر بالمقارنة بعام 2017. أضاف القطاع أنّ 70 في المائة من حالات الطلاق هي بين شباب في السنوات الأولى من الزواج، بخلاف ما تتلقّاه محاكم الأسرة في محافظات مصر يومياً من قضايا خلع.

وتفيد إحصاءات وبيانات المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، من جهتها، بأنّ ثمّة حالة طلاق واحدة تقع في مصر كل أربع دقائق، أي ما يتراوح بين 250 و300 حالة يومياً، في حين أنّ محاكم الأسرة تشهد يومياً طوابير طويلة من النساء الراغبات في الحصول على الطلاق من محاكم الأحوال الشخصية. وهذا الأمر جعل مصر تحتل المرتبة الأولى عالمياً في الطلاق، بحسب بيانات المركز نفسها. إلى ذلك، تحل القاهرة الأولى لجهة عدد حالات الطلاق والجيزة الأولى لجهة عدد حالات الخلع.

ويتوقع في السياق مسؤول في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، أن "تشهد الإحصاءات زيادة في حالات الطلاق خلال الأيام المقبلة، خصوصاً مع ارتفاع أسعار تذاكر المترو وتكاليف وسائل المواصلات الأخرى، لا سيّما مع ارتفاع أسعار المحروقات المرتقبة وزيادة تكلفة الكهرباء". ويؤكد لـ"العربي الجديد" متحفظاً عن الكشف عن هويته، أن "يشهد العام الجاري زيادة كبيرة في حالات الطلاق نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمرّ بها الشباب وعدد كبير من الأسر نتيجة ضعف دخلهم الاقتصادي". يضيف المسؤول نفسه أنّ "إحصاءات الأمم المتحدة أكدت أنّ نسب الطلاق في مصر في ازدياد عاما بعد عام، وقد ارتفعت من سبعة في المائة إلى 40 في المائة والرقم مرشح للزيادة. وتتصدر مصر القائمة العالمية للطلاق في العالم، نتيجة تفشي البطالة بين الشباب وسوء الأوضاع المعيشية على خلفية الغلاء، وارتفاع حدة الفقر بين أسر كثيرة، وهو ما أثّر سلباً في أفراد العائلة. كذلك، تسبب الأمر في الشعور بالإحباط والفشل المرتبطين بالدور المنوط بكل فرد من أفراد الأسرة". ويتابع المسؤول أنّه "نتيجة لكل ذلك، ثمّة عزوف من قبل الشباب عن الإقبال على الزواج خوفاً من الفشل، وهو ما يؤدّي إلى ارتفاع نسبة العنوسة بين الشبان والشابات في محافظات مصر".


ويعيد خبراء مصريون ارتفاع معدّلات الطلاق في البلاد إلى الأزمات الاقتصادية وعدم قدرة الزوج على الوفاء بالاحتياجات المالية للأسرة. ويؤكد أستاذ علم الاجتماع في جامعة حلوان الدكتور محمود غريب أنّ "الطلاق في مصر أمر مقلق وخطير على الأمن الاجتماعي والقومي"، موضحاً أنّ "زيادة نسب أطفال الشوارع في مصر هي نتاج الطلاق". يضيف غريب لـ"العربي الجديد" أنّ "أزواجاً كثيرين يهربون اليوم من مسؤولياتهم نحو أسرهم، بسبب عدم قدرتهم على الإنفاق، وهو ما يدفع الزوجة إلى الانتقال إلى بيت أهلها. وبعدها، تختار الطلاق إمّا بالتوافق وإمّا بالتوجّه إلى المحكمة لخلع الزوج، في ظل ظروف معيشية غير محتملة".

ويقول غريب إنّ "الاصطدام بالواقع المرير وعدم قدرة الزوج على تلبية الاحتياجات الأسريّة من غذاء وشراب وملبس، من العوامل المسببة للانفصال"، محذراً من "الآثار الخطيرة التي تطاول الأبناء الذين ينفصل آباؤهم وهم في سنّ صغيرة، فهؤلاء يعانون من التشتت العاطفي والحرمان". ويشرح أنّ "أبناء الطلاق المبكر يعانون من الاكتئاب والانطواء والمشاكل النفسية الخطيرة التي تجعلهم أكثر عدوانية تجاه الغير أو أكثر انطواءً على أنفسهم".

في السياق ذاته، يوضح أستاذ علم النفس في جامعة عين شمس الدكتور إبراهيم عيد لـ"العربي الجديد"، أنّ "الطلاق والخلع في مصر باتا منتشرَين بصورة كبيرة بين الشباب نتيجة الظروف المحيطة بالأسرة، وأكثرها خطورة الوضع الاقتصادي الذي تدهور أكثر خلال الأشهر الماضية، بطريقة فاقت كل التوقعات. فعدم قدرة الرجل على الإنفاق والوفاء باحتياجات الأسرة، أدّى إلى جلب الخلافات داخل الأسرة الصغيرة قبل أن تنتقل إلى أسرتَي الزوجَين. وهو ما يؤدي إلى أبغض الحلال". يضيف عيد أنّ "ظروفاً اجتماعية أخرى تؤدّي إلى الطلاق، لكنّ الظروف الاقتصادية تظلّ السبب الأبرز. ولدينا واقع مؤلم بعدما تجاوزت معدلات الطلاق أرقاماً عالية". ويشير عيد إلى أنّ "المرأة المطلقة تخبر مجموعة من المشاعر السلبية، من قبيل شعورها بالإحباط والخجل والظلم وأحياناً بالرغبة في الانتقام، بالإضافة إلى الخوف من المستقبل. وهو ما يجعلها أحياناً ترفض الزواج برجل آخر".


من جهته، يرى أمين لجنة الفتوى في الأزهر الدكتور خالد عمران أنّ "ثمّة أسباباً كثيرة تؤدي إلى الطلاق في مصر، أكثرها خطورة العامل الاقتصادي الذي يرتبط باحتياجات ومتطلبات كثيرة تخصّ الأسرة". ويوضح عمران لـ"العربي الجديد" أنّ "الزواج ليس نزهة بل مسؤولية، ولا بدّ للأسر من أن توصي الأبناء مشدّدة على تلك الفكرة قبل إقدامهم على تلك الخطوة". ويطالب عمران بـ"ضرورة تثقيف المجتمع دينياً من خلال وسائل الإعلام والندوات الدينية وتحذيره من خطورة الإقبال على الطلاق الذي بات ظاهرة في المجتمعات المصرية. وعلى الأسرة أن تعيد التفكير ألف مرّة في تربية الفتى والفتاة تربية جديدة وجادة تواكب مستجدات العصر، حتى نتفادى هذا الخطر الذي يهدد الحياة الاجتماعية".