لاجئو جنوب السودان من وطن إلى وطن

لاجئو جنوب السودان من وطن إلى وطن

20 يونيو 2018
ينتظرن أدوارهنّ للحصول على مواد غذائية (جيوفين سو/ Getty)
+ الخط -

اللاجئون الجنوب سودانيون في السودان يعانون يومياً. هم من أهل البيت ولاجئين في آن، ما يجعلهم مستثنين من مساعدات المنظمات الإنسانية، وقد خسروا مواطنيتهم أيضاً.

وليم أيوم ترك السودان في عام 2011، ذاهباً إلى وطنه الجديد جنوب السودان، الذي اختار الانفصال عن الشمال. كان في الثلاثين من عمره، وقد حلم بمستقبل أفضل ودولة يعمّ فيها الأمن والرخاء والمساواة. وبعد عامين، انهارت دولة جنوب السودان نتيجة حرب أهلية خلفت آلاف القتلى وملايين المشردين، فما كان من أيوم إلّا أن عاد إلى السودان مجدداً، حاملاً صفة لاجئ هذه المرة بعدما كان مواطناً فيها.

اليوم، يعيش في معسكر القادسية والجريفات وأم دوم في العاصمة الخرطوم، وسط ظروف يصفها بـ "السيئة جداً" بسبب افتقارها إلى أبسط الخدمات الإنسانية، إضافة إلى نحو 5 آلاف لاجئ من جنوب السودان. يخبر أيوم "العربي الجديد" أنّه اختار العودة إلى السودان لأنه الوطن الذي عاش فيه سنوات طويلة قبل الانفصال، ويعلم مدى طيبة شعبه وكرمه وإنسانيّته. كان يتوقّع اهتماماً من ثلاث جهات، حكومة السودان وحكومة جنوب السودان والمنظمات الدولية العاملة في المجال الإنساني. لكن حدث العكس، وساءت أوضاع اللاجئين نتيجة الإهمال.

ويقول أيوم إنّ اللاجئين الجنوبيّين في معسكرات الجريفات والقادسية وأم دوم يعيشون في منازل شيدوها من أغصان الأشجار والقش. وحين تتساقط الأمطار تنهار المنازل. وكثيراً ما يصاب الأطفال والنساء وكبار السن بالأمراض إما بسبب ارتفاع درجة الحرارة أو تساقط الأمطار. ويوضح أنّ الرجال والشباب لا يملكون عملاً للعيش ومساعدة عائلاتهم. يضيف أنّ القاطنين في تلك المعسكرات لا يحصلون على أي دعم، سواء من حكومة السودان أو المنظّمات الدولية، ولا يحصلون على بطاقات لجوء حتى تتمكّن المنظمات الدوليّة من مساعدتهم. وينتقد بشدة حكومة بلاده التي تتورّط في الحرب وتساهم في تشريدهم. "حين ذهبنا إلى سفارتنا في الخرطوم، قال لنا أحد الموظفين: لماذا تبقون في السودان؟".




ما من إحصائيات رسمية ونهائية لأعداد اللاجئين الجنوبين في الخرطوم. لكن بعض المصادر تشير إلى وجود 80 ألف منهم موزعين على نحو 20 معسكراً، من بينها معسكرات أنشأت تحت رعاية المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والتي تقدم بالتنسيق مع وكالات دولية الغذاء والإيواء والدواء. لكن معسكرات أخرى في الخرطوم، مثل المعسكر الذي يوجد فيه وليم أيوم، فهي غير معترف بها من الحكومة السودانية والمنظمات الدولية.

منذ فترة، تسعى السلطات السودانية إلى نقل جميع اللاجئين الجنوبيّين إلى خارج العاصمة الخرطوم. وسبق أن أعلن مفوض معتمدية اللاجئين في السودان، حمد الجزولي، أن العمل بدأ بإجراء مسح للاجئي جنوب السودان المتواجدين في الخرطوم، وكيفية التعامل معهم وتسجيلهم وتحديد احتياجاتهم لإعادة ترحيلهم إلى خارج العاصمة، بعد صدور قرار رئاسي لتحديد المواقع المخصصة لذلك. أضاف أن لاجئي الجنوب ينتشرون في الولايات كافة، ويشاركون المواطن قوته وخدماته على الرغم من قلتها، ما يشكّل تحدياً أساسياً للحكومة في كيفية التعامل معهم، خصوصاً أولئك الموجودين في مناطق مفتوحة.

وتقول عوضية أجوك، وهي صحافية تتابع شؤون اللاجئين الجنوبيين، إن القرار الذي اتخذته السلطات السودانية لمعاملة الجنوبيين مثل بقية المواطنين، كان له أثراً سلبياً عليهم، إذ اعتبرت المنظمات الدولية ذلك مدعاة لعدم التدخل على أساس أنهم يتمتعون بكافة الحقوق. تضيف لـ "العربي الجديد": "على العكس من ذلك تماماً، فإن اللاجئ الجنوبي في السودان يواجه مشكلات عدة، أهمها عدم السماح له بالعمل، ونقص الغذاء والرعاية الصحية، وعدم توفر فرص تعليم لأطفاله"، مبيّنة أن نسبة التسرّب المدرسي عالية جداً، إذ لا يملك الآباء المال لتعليم أطفالهم. وترى أن المنظمات الدولية لا تقوم بمسؤولياتها بموجب القانون الإنساني الدولي.

ولا تعدّ مشاكل اللاجئين من جنوب السودان حكراً على القاطنين في الخرطوم، فهناك آخرين في ولايات أخرى. في ولاية النيل الأبيض المتاخمة للحدود مع جنوب السودان، يوجد العدد الأكبر من اللاجئين، منهم نحو 148 ألفاً محصورون داخل 8 معسكرات. ويجري العمل على تجهيز معسكر آخر في منطقة خور الورل، وتقول السلطات المحلية إن هناك نحو 80 ألف لاجئ خارج المعسكرات.




ويقول عبد القوي حامد، مفوض العون الإنساني بولاية النيل الابيض، لـ "العربي الجديد": "حكومة ومواطني الولاية قدموا كل ما في وسعهم لمساعدة اللاجئين من جنوب السودان، على الرغم من تركهم وطناً كانوا جزءاً منه، وعدم معاملة الجنوب لمواطني السودان بالمثل، بل طردهم من الجنوب ومصادرة أراضيهم الزراعية". ويشير إلى أنهم فتحوا ثلاثة معابر حدودية للاجئين، وقدموا لهم الغذاء والدواء قبل أن تصل إليهم المنظمات الدولية.

من جهته، يؤكّد مسؤول إسكان اللاجئين في الولاية محمد نور الدين، لـ "العربي الجديد"، أن السودان يلتزم في تعامله مع لاجئي جنوب السودان بكافة الاتفاقيات الدولية في هذا الشأن، ويسمح لهم بالعمل. كما أن خدمات الصحة والغذاء والتعليم والإيواء كلّها متوفرة في المعسكرات. إلا أنه يقول لـ "العربي الجديد" إن الخدمات المقدمة من الأمم المتحدة للاجئين ليست كما في السابق، بسبب الأزمات المالية العالمية، وشح الغذاء على مستوى العالم. ويبيّن أن تلك الخدمات تضاءلت بنسبة 40 في المائة. يضيف أن اللاجئين ما زالوا في حاجة إلى مزيد من المدارس، خصوصاً أن في الفصل الواحد نحو 100 تلميذ، كما أنهم في حاجة إلى المزيد من محطات المياه.

المساهمون