مدخنون صغار

مدخنون صغار

31 مايو 2018
كيف يكتسب الأبناء عادة التدخين اللعينة؟ (Getty)
+ الخط -


أُصبتُ بالهلع حين شممت رائحة السجائر عالقة بثياب ابني وهو لم يتجاوز السادسة عشرة بعد. حضرت إلى ذهني فوراً الفكرة المرعبة بأنه سيصاب بالسرطان، وحمّلت نفسي مسؤولية إيجاد حلّ سريع ينقذه من هلاك محتم.

أخبرني بدون مواربة عندما واجهته بالأمر أنه ساير رفاق المدرسة في البداية، وإنه اليوم يحمل علبته الخاصة ويدخن أكثر من عشر سجائر يومياً.

كيف يدخن وهو منذ طفولته كان يمنع أي زائر من التدخين في البيت بدون حرج أو خجل. أذكر انفعاله وغضبه حين كان يشم رائحة سيجارة أشعلها أحد الزوار دون استئذان وتسرب دخانها إلى غرف البيت. ولا أنسى استعراضه الواثق لمعرفته بمكونات السجائر من مواد كيميائية ومسرطنة التي أخذها من المدرسة والإنترنت. كان يطبع نسخاً منها ويوزعها على أصدقاء العائلة من المدخنين بذلك الحرص البريء على سلامتهم. كان يعرف معنى التدخين السلبي، وحق الناس بتنشق هواء نظيف.

كيف يكتسب الأبناء عادة التدخين اللعينة حتى إذا كان الأهل من غير المدخنين؟ سؤال يحيرني ويجعلني أبحث دوماً عن الأسباب وعمّا أغفلته خلال تنشئة صغيري.

أعلم اليوم أن النصح لا ينفع لأن ما سأقوله يعرفه جيداً، والمنع لا يجدي لأن التدخين بالخفاء سيكون ملجأه.

كيف يمكن لأسرة مكّنت أبناءها باكراً من معرفة مخاطر التدخين على الصحة والبيئة أن تجدهم يدخنون، ناسفين كل القناعات ومتمسكين بمصدر الضرر الذي يدمر صحتهم مع مرور الوقت؟
كيف تتغير القناعات، ومن يزعزعها؟ وكيف يمكن لفتى لا ينقصه الذكاء ومعرفة الصح من الخطأ أن يكون ضعيف الإرادة ومقلداً للآخرين وينقاد للسيجارة ويتعلق بها؟

هو يقول إنها الأجواء والمعشر فالمدخنون في كل مكان، وأنا أرى أنه سنّ إثبات الذات والبحث عن أشكال سلوك توحي له بالاستقلالية والمعارضة، وتكسر النمط المعتاد في حياته الأسرية. ويضاف إلى ذلك الرغبة في تجربة ما هو "ممنوع".

الأسرة لا تستطيع على ما يبدو أن تحارب وحدها على هذه الجبهة، هذا ما توصلت إليه. هي قضية مجتمع يساعد فعلاً في تأسيس أجيال مدمنة على التدخين أو تحاربه.




حين فكرت بتوزيع المسؤوليات حتى أخفف اللوم عن نفسي، لم أستطع أن ألوم ابني لأن السجائر ومنتجات التبغ على أنواعها موجودة في المتاجر وبمتناول اليد، وقرارات منع البيع لمن هم دون 18 عاماً لا تطبق، ومنع التدخين في الأماكن المغلقة يترك الفضاء متاحاً ومباحاً، أما رفع أسعار الأنواع المستوردة تقابلها منتجات رخيصة بمتناول المدخنين الصغار.

أبناؤنا المدخنون سينضمون إلى قائمة مرضى القلب أو الأوعية الدموية أو السرطان، والحكومات ترخص تصنيع واستيراد منتجات التبغ. هي صحة أبنائنا تحترق مع كل سيجارة ونحن نتفرج.

المساهمون