المؤشّر العربي... المواطنون ما زالوا يؤمنون بالديمقراطية

المؤشّر العربي 2017 - 2018... المواطنون ما زالوا يؤمنون بالديمقراطية

28 مايو 2018
المصري عارضاً النتائج وإلى جانبه زيادة (حسين بيضون)
+ الخط -
صباح اليوم الإثنين، كانت العاصمة اللبنانية بيروت، على موعد مع ندوة في مقر "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" للإعلان عن نتائج المؤشر العربي لعام 2017-2018، الذي استطلع نحو 19 ألف مواطن عربي في 11 دولة

الأولويات الاقتصادية تطغى على ما عداها لدى مواطني الدول العربية، خصوصاً مع انخفاض الدخل الذي لا يكفي ثلثهم لتغطية حاجاتهم. أدى ذلك إلى انخفاض الاهتمام بالشؤون السياسية لديهم. لكنّ الغالبية العظمى منهم مقتنعة بضرورة بناء أنظمة ديمقراطية، بعيدة عن الديكتاتوريات أو الأنظمة التي تسعى للاعتماد على الشريعة الإسلامية. وبالرغم من الاختلافات والتشتّت في مواقف الدول العربية، إلاّ أنّ غالبية الرأي العام العربي ترى أنّ شعوب المنطقة تشكل أمة واحدة وأنّ إسرائيل هي العدو الأول والخطر الداهم على بلدان المنطقة.

هذه مجموعة من النتائج التي يمكن الخروج بها عند الاطلاع على "المؤشر العربي" لعام 2017- 2018 الذي أعدّه "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، بعد جهدٍ استغرق أكثر من خمسة أشهر، وشارك في تنفيذه 850 باحثاً ميدانياً أمضوا قرابة 45 ألف ساعة، قاطعين ما مجموعه أكثر من 700 ألف كيلومتر. وصدرت النسخة السادسة من "المؤشر العربي" (برنامج قياس الرأي العام العربي) في كتاب من 350 صفحة، إلى جانب ملخّصٍ عنه باللغتين العربية والإنكليزية.

قدّم المشرف على الدراسة الباحث الدكتور محمد المصري، المدير التنفيذي للمركز، أبرز النتائج التي خلص إليها البحث في ندوة حضرتها "العربي الجديد" وأدارها مدير فرع المركز في بيروت الدكتور خالد زيادة بحضور عددٍ من الباحثين والأكاديميين والصحافيين.



في بداية كلمته، أشار المصري إلى أنّ "المؤشّر العربي" هو من المشاريع الأولى للمركز ومن أكثرها أهمية، إيماناً منهم بوجود رأي عام عربي. لفت المصري إلى أنّ الاستطلاع اعتمد أسلوب المعاينة الطبقية العنقودية المنتظمة، متعدّدة المراحل والموزونة ذاتياً، وجرى عبر تنفيذ مقابلات وجاهية على عيّنة قوامها 18.830 شخصاً موزّعين على 11 دولة عربية (السعودية، والكويت، والعراق، والأردن، وفلسطين، ولبنان، ومصر، والسودان، وتونس، والمغرب، وموريتانيا) يشكّل مجموع مواطنيها 84 في المائة من مواطني دول المنطقة.

قسم المصري النتائج على عدّة أبواب عرضها بالترتيب، منطلقاً من الأوضاع العامة لمواطني المنطقة العربية، الاقتصادية والسياسية والأمنية. وتبين أنّه على الرغم من ارتفاع نسبة المستطلعين الذي اعتبروا دخل الأسرة كافياً ويمكن التوفير منه (22 في المائة) مقارنة بنسبتهم في عام 2011 (15 في المائة) إلّا أنّ ثلثهم تقريباً قالوا إنّ دخل الأسرة لا يغطي احتياجاتها، مقابل 46 في المائة اعتبروا أنّ الدخل يغطي النفقات، من دون أن يتمكنوا من توفير شيء منه. لذلك، كانت نسبة من وصّفوا وضع بلادهم الاقتصادي بالجيد 39 في المائة مقابل 59 في المائة وصفوه بالسيء.

أما من الناحية الأمنية، فقد اعتبر 64 في المائة أنّ مستويات الأمان جيّدة في بلدانهم مقابل 35 في المائة ممّن وصفوه بالسيء. وتعتبر هذه النتائج أكثر إيجابية من الاستطلاعات السابقة. على العكس من ذلك كان تقييم المستطلعين للوضع السياسي في بلدانهم سلبياً مقارنةً بنتائج الاستطلاعات التي أجريت منذ عام 2014، فاعتبر 39 في المائة الوضع إيجابياً، مقابل 55 في المائة قيّموه سلباً.

في ما يتعلق بتقييم الرأي العام لمؤسسات الدول وأجهزتها، يبرز تباين في ثقة المستطلعين بها، ففي حين ترتفع الثقة بمؤسّسات الجيش (90 في المائة) والأمن العام (75 في المائة) فإنّها تنخفض بالنسبة للجهاز القضائي والحكومة وتصل إلى أدنى مستوياتها مع المجالس التشريعية (54 في المائة لا يثقون بها). ينسحب هذا التقييم السلبي على أداء الحكومات إذ انحازت أكثرية الرأي العام إلى وصف الأداء الحكومي بالسلبي. من جهة أخرى، يبرز شبه إجماع على انتشار الفساد المالي والإداري بدرجات متفاوتة وبنسبة تصل إلى 91 في المائة من العينة وافقت على ذلك، وهو الموقف الذي لم يتغير منذ عام 2011.




في خصوص موقف الرأي العام من الديمقراطية، لفت المصري إلى أنّ 90 في المائة من المستطلعين تمكنوا من تقديم تعريف ذي محتوى لها، وهو ما اعتبره نسبة عالية جداً "خصوصاً أنّ معظمهم في بلدان لم تمارس الديمقراطية أو مارست أشكالاً مجتزأة منها". يشير المصري إلى أنّ غالبية المستطلعين رفضت المقولات ذات المحتوى السلبي عن الديمقراطية، لكنّهم منقسمون حول مقولة إنّ "مجتمعاتنا غير مهيّأة لممارسة النظام الديمقراطي" فوافق 42 في المائة على هذه المقولة فيما رفضها 48 في المائة. فيما أيّد 74 في المائة إقامة نظام ديمقراطي مقابل 17 في المائة أعلنت رفضها لها. أما تقييم العرب لمستوى الديمقراطية في بلدانهم فجاء بعلامة 5.5 علامات من 10، وهي درجة مشابهة لقدرتهم على انتقاد حكوماتهم من دون خوف (5.6 من 10) من دون "السؤال عن الرئيس أو رأس الدولة أو النظام" كما شرح المصري.

أما في ما يتعلق بموقف الرأي العام العربي من ثورات الربيع العربي ومستقبلها فقد انقسم، إذ اعتبر 45 في المائة من المستطلعين أنّ الثورات تمرّ بمرحلة تعثّر لكنّها ستحقّق أهدافها في نهاية المطاف، مقابل 34 في المائة اعتبروا أنّها انتهت وأنّ الأنظمة السابقة عادت إلى الحكم. هذا الانقسام لا ينطلق من موقف سياسي معادٍ للربيع العربي، بحسب المصري، بل نتيجة الإحباط الذي أصاب الناس.



من جهة أخرى، يبدو واضحاً الانخفاض الكبير في نسبة انتساب المواطنين إلى المنظمات المدنية والأحزاب السياسية، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ عدداً من الدول المستطلعة لا وجود للأحزاب فيها. جاءت النسب منخفضة جداً، ولم تتجاوز 17 في المائة في أحسن الأحوال. وتظهر الاستطلاعات الإضافية غياب الثقة بالأحزاب السياسية وتراجع الرغبة بالمشاركة في الانتخابات، ليصل معدل غياب الثقة إلى 60 في المائة.

مع انتقاله للحديث عن علاقة الدين بالسياسة، أشار المصري إلى أنّ ارتفاع نسبة المتدينين بين المستطلعين والتي تصل إلى 86 في المائة، أيدت النسبة الأكبر منهم فصل الدين عن السياسة (52 في المائة من العينة) فيما رفض 68 في المائة تكفير المختلفين عنهم.




في المحور الأخير، ظهر أنّ 77 في المائة من الرأي العام العربي تعتبر شعوب المنطقة تشكّل أمّة واحدة. من جهة أخرى ظلّت إسرائيل الدولة الأكثر تهديداً لأمن الوطن العربي بنسبة 39 في المائة وإن انخفضت عن نسبة عام 2011 التي وصلت إلى 51 في المائة. أما في المركز الثاني فقد جاءت الولايات المتحدة بنسبة 28 في المائة، تلتهما إيران بنسبة 10 في المائة. لم يؤثّر هذا الانخفاض في النظرة إلى إسرائيل على اعتبار القضية الفلسطينية قضية جميع العرب بنسبة وصلت إلى 77 في المائة، مع رفض 87 في المائة من المستطلعين اعتراف دولهم بإسرائيل.

في ختام الندوة، علق المصري على النتائج: "بالنسبة لي، فإنّ الرأي العام العربي يسبق في مواقفه النخب العربية التي من واجبها ألّا تفوت هذه الفرصة".