إفطار رمضاني وصلاة في قرية الغابسية الفلسطينية المهجرة

إفطار رمضاني وصلاة في قرية الغابسية الفلسطينية المهجرة

حيفا

العربي الجديد

العربي الجديد
27 مايو 2018
+ الخط -
على أرض قرية الغابسية الفلسطينية المهجّرة في منطقة الجليل، وأمام ما تبقّى من مسجدها الذي تحظر المؤسسة الإسرائيلية الصلاة فيه، اجتمع العشرات من أهلها كبارا وصغارا لتناول طعام الإفطار أمس السبت، في العاشر من رمضان 2018.

بهمة عالية، استبق بعضهم موعد الإفطار وشاركوا بتجهيز طاولات الطعام ومكان الصلاة. ومع الغروب، رفع أذان المغرب على أرض الغابسية المنكوبة منذ عام 1948، وجلس الحاضرون إلى موائد الإفطار لتناول ما أحضروه من بيوتهم. وأقام بعضهم صلاة المغرب ومن ثم صلاتي العشاء والتراويح.

"نحن من هذا المكان ويوماً ما سنعود إليه" كان هذا لسان حال أهل القرية في أمسيتهم الرمضانية. وهي المرة الأولى التي يُقام فيها الإفطار والصلوات على أرض البلدة، وتلتها فقرات أخرى متنوعة أيضاً.

أهالي الغابسية عادوا إليها في العاشر من رمضان، وهم المشتتون في بلدات عدة بعضها قريب مثل قريتي الشيخ دنون والمزرعة، لكن الحلم الأكبر هو العودة الحقيقية يوماً ما أو جيلاً ما.


هنا استشهد أبي

صالح داوود الزيني الذي وُلد في الغابسية عام 1931، وقف متكئا على عكازه يتأمل جامع القرية. وتحدث لـ"العربي الجديد" عن حادثة لا تفارقه، وقال: "هنا على سطح هذا المسجد استشهد والدي. أطلقوا عليه النار رغم أن القرية رفعت الراية البيضاء كما طلبت العصابات الصهيونية".

وأضاف: "عندما حدثت المشاكل بيننا وبين اليهود تجمهرعدد كبير من أهالي القرية في المسجد ومحيطه. قسم منهم قالوا نريد أن نقاوم وآخرون قالوا نريد أن نسلّم البلدة". وأوضح أن عدد سكان الغابسية في عام النكبة كان نحو 750 نسمة من الفلاحين.

جامع الغابسية المهجرة (العربي الجديد) 



وتابع: "طلب الأهالي من والدي أن يرفع العلم الأبيض على سطح الجامع بعد أن وصل اليهود إلى بلدة الكابري وبدأوا بهدمها. ودخلوا إلى الغابسية عن طريق مغارة عيشة وقتلوا والدي وهو على ظهر الجامع، والعلم الأبيض لم يُجدِ نفعا".

ومضى قائلا: "حين رأى الناس أن اليهود أطلقوا النار على حامل العلم الأبيض خرجنا من البلدة. بقينا نحو 5 أسابيع نعيش في الوعر، وكنا نأتي إلى البلد ونأخذ المؤونة ونخبز ونأكل في البراري. ثم عدنا إلى القرية لكن لاحقا صودرت أراضينا منا".



استيقظت في مكان آخر

أما داوود بدر الذي ولد في الغابسية عام 1942، وهو من لجنة القرية المنظمة للإفطار الرمضاني، فتحدث بدوره لـ "العربي الجديد"، عن ذكريات طفل نام في قريته واستيقظ في مكان آخر يوم التهجير.

وقال: "كان عمري نحو 6 سنوات في عام النكبة المستمرة منذ 1948. وأنا أحمل بعض الذكريات لا سيما عن يوم التهجير. في ذلك اليوم أيقظتني أمي صباحا وأجلستني عند عتبة باب الجيران، ثم دخلت إلى البيت ولفت صُرّة من قماش وضعت فيها بعض الحاجيات، وحملتها على رأسها وخرجنا من القرية عن طريق الوعر باتجاه الشرق. ولأني كنت صغيرا لم أتمكن من اللحاق بالناس، فرجع خالي مصطفى حجازي ورفعني على كتفيه، وخرجنا من القرية.  ويبدو أني غفوت لكني أذكر أنني استيقظت في بيت في قرية كفر ياسيف، وأذكر ذلك البيت جيدا".

يستعدون للإفطار (العربي الجديد)



وعن الإفطار الرمضاني، أوضح بدر: "في الحقيقة إن نشاطات لجنة الغابسية، التي تشكّلت عام 1974، بقيت متواضعة وبدون الإعلان عنها. لكن حين تشكلت جمعية الدفاع عن حقوق المهجرين لاحقاً انضممنا إليها. ونظمنا عدة نشاطات خاصة في ذكرى يوم الأرض وجماهيرية أمام مسجد الغابسية، وأول مسيرة عودة إلى القرى المهجرة كانت إلى الغابسية في 28 مارس/آذار 1978".

وتابع: "طوال عام 1995 كنا نقيم الصلاة في هذا المسجد الذي بقي مهجورا ومستباحاً على مدار 45 عاما، نظفناه وأقمنا فيه الصلوات. لكن في عام 1996 داهمت ما تسمى دائرة أراضي إسرائيل المسجد ترافقها قوات الشرطة، ورمت كل محتويات المسجد خارجا، ومنعتنا من مواصلة الصلاة فيه".

لقاء يؤكد على حق العودة (العربي الجديد)


وأضاف "تم اعتقالي يومها ليوم واحد بسبب هذا النشاط، ولاحقا فاوضنا الحكومة الإسرائيلية على إعادة فتح المسجد مستغلين انتخابات 1996، لكن في عام 1997 كان أرييل شارون في حينه وزير البنى التحتية، وأصدر أمراً بإغلاق المسجد وبقي كذلك حتى اليوم".

وعن الإفطار الرمضاني الأول في الغابسية قال بدر: "إنها المرة الأولى التي ننظم فيها إفطارا رمضانيا جماعيا على أرض الغابسية. نريد أن نجذب أهالي الغابسية إلى المكان، وأن نعزز روح الأمل والتفاؤل والانتماء لبلدنا".

الإفطار الرمضاني الأول في الغابسية بعد التهجير(العربي الجديد)





الأمل بالجيل الجديد

فؤاد عوض، رئيس مجلس قرية المزرعة المحلي، أصله من الغابسية المهجرة. تحدث لـ "العربي الجديد" قائلاً: " كان لدى والدي رحمه الله حلم بالعودة إلى الغابسية، وكان يؤمن أن ذلك ممكن، لكنه توفي وتبخرت أحلامه. ربما الأمل في الوقت الحالي ليس متاحاً، ولكن المهم أن نحافظ على تاريخنا وتراثنا ونعزز انتماءنا ولو من خلال فعاليات تربوية أو حتى اجتماعية تضم أفراد العائلة أو أهالي القرية".


واعتبر عوض أن تلك الفعاليات "تساعد في بناء ذاكرة الأجيال الجديدة بخصوص حكاية القرية وتهجير أهلها والأمل بالعودة. وحكاية قرية الغابسية معروفة ومعروف كيف أن أهلها رفعوا العلم الأبيض ومع هذا قتلت العصابات الصهيونية داوود الزيني وهو يرفع العلم فوق الجامع، وهذه هي السياسة الصهيونية الممنهجة ضد الجماهير العربية في الأراضي المحتلة".

وأضاف: "أقل ما نقدمه لبلدتنا في ظل هذا الواقع الحفاظ على تراثنا، وألا ننسى نحن وأولادنا أن جذورنا هنا. كذلك علينا أن نطالب بتوسيع قرية الشيخ دنون المجاورة لتشمل قرية الغابسية، وهكذا تعود الأراضي للجماهير العربية ولو جزئياً".


ذات صلة

الصورة

مجتمع

يقصد اليمنيون في شهر رمضان المدن القديمة والمساجد التاريخية المنتشرة في مختلف أنحاء اليمن ويتخذون منها أماكن للفسحة والتنزه.
الصورة
رمضان في شمال غزة رغم الحرب الإسرائيلية (العربي الجديد)

مجتمع

يحاول من بقي من الفلسطينيين في شمال قطاع غزة خلق بعض من طقوس شهر رمضان وزرع بسمة على وجوه الأطفال، رغم المأساة وعدم توفر الأساسيات وسط الحرب المتواصلة.
الصورة

سياسة

لم تسمح قوات الاحتلال الإسرائيلي الليلة، للفلسطينيين من أهالي القدس والمناطق المحتلة عام 1948، بدخول المسجد الأقصى المبارك، لأداء صلاتي العشاء والتراويح.
الصورة

مجتمع

تضيء فوانيس رمضان عتمة الليل في قطاع غزة، حيث أنهك القصف المتواصل للاحتلال الإسرائيلي سكان القطاع، للشهر الخامس على التوالي.