حرائق الكتب والمكتبات

حرائق الكتب والمكتبات

03 مايو 2018
التطرف عدو العلم والمعرفة (إسماعيل دورو/ الأناضول)
+ الخط -
كانت وما تزال الكتب والمكتبات هدفاً للنيران، تارةً تمارس ذلك سلطات ديكتاتورية عندما ترسل "بلطجيتها" نحو هذه المراكز الثقافية لتضرم في أجنحتها الحرائق، وطوراً تفعل ذلك جماعات متطرفة لا يرف لها جفن أن تفعل ما تفعله من كبائر بحق الثقافة والمعارف.

والهدف من الإحراق ليس سوى وهم القضاء على الفكرة التي يحملها الكتاب في صفحاته وتضمها المكتبة على رفوفها، أي إنها تعمل على أن تحِّول تلك الأفكار التي لا تستطيع نقضها عبر أفكار مضادة إلى رماد تذروه الرياح. لكن في أحيان كثيرة يكون فيها الحريق من مستتبعات حال الفوضى التي لا تقيم وزناً للحضارة والثقافة والتراث، هذا إذا لم نتحدث عن جهات ترى في الحرائق فرصة سانحة لسرقة ما تسرقه، وإخفاء جرائمها عبر إضرام النار في الباقي، إلى حد لا يُعرف بعده ما الذي أصاب هذا الكنز الأثري أو المعرفي أو ذاك. وقد جرت العادة والممارسة أنه وسط حال الفوضى تتجاهل السلطات حماية مثل هذه المراكز الثقافية وتحشد قواها الأمنية والعسكرية لحماية مراكز سلطاتها وتهمل ما عداها. وأحياناً يشعر أحدنا أن هذا الإهمال مقصود بذاته، وليس من قبل الصدفة أو اللامبالاة. ومثل هذا الشعور عشته مع عشرات الألوف من العرب وغيرهم من الحريصين على آثار وتراث مصر، لدى مشاهدة ما كان يتعرض له المتحف المصري، وما عانت منه مكتبة الموصل ومثلها مكتبات بغداد وحمص وحلب وغيرها. بالطبع الاستهدافات تتعدى هذه النماذج إذ كانت دوماً ملازمة لحال الفوضى الأهلية.

ولمّا كانت العديد من الدول العربية قد مرت وما تزال تمر بمثل هذه النزاعات الأهلية والاقليمية، لنا أن نتصور مدى حجم الخسائر التي تتعرض لها هذه المؤسسات الثقافية مما لا يمكن تعويضه ثانية، في حال كانت المواد المحترقة نادرة وقديمة ولا أمل باستعادتها ثانية، ولم يجر حفظ نسخ الكترونية عنها في أماكن أمينة. ونقصد بذلك المخطوطات والوثائق القديمة التي تحتفظ بها في أرشيفها. ثم أن قسماً كبيراً مما يتضرر يصعب إصلاحه نتيجة فقدان الكفاءات البشرية التي تملك التقنيات اللازمة وأيضاً الإمكانات المادية. والحصيلة أننا بدل أن نعمل على سد النقص في مكتباتنا نعاني من خسارة ما هو موجود لدينا. بينما كان الطبيعي هو نقل هذه المحفوظات إلى المجال الرقمي وحفظ الأفلام والوسائط في أمكنة محصنة لا تصلها نيران المنازعات والحروب الأهلية وسواها من كوارث بشرية أو طبيعية. وعليه يمكن القول إن ثروات معرفية وعلمية قد خسرناها في غمرات حروب العراق وسورية واليمن ولبنان وفلسطين ومصر وليبيا وغيرها الكثير. أي أننا نخسر ما نملك، بدل أن نكافح لأجل استرجاع ما كان لنا، ولم نعد نملك نسخاً عنه بعد أن باتت الآن النسخ اليتيمة الباقية منه، هي الموجودة في متاحف ومكتبات أوروبا وأميركا وغيرهما.




في غضون سنوات الحرب الأهلية في لبنان كان المقاتلون يتدفأون على ما يعثرون عليه من صكوك ومخطوطات ووثائق ومؤلفات وخرائط في المكتبات العامة وفي الأديرة والمساجد والدوائر الرسمية والمنازل، وكان الباعة بدورهم يجعلون ما يصل إلى أيديهم أكياساً يضعون فيها الخضار والفواكه وغيرها... والحصيلة فقدان ثروات معرفية لا تُقدر بثمن... حصل ويحصل مثل ذلك الآن في سورية والعراق واليمن وليبيا وقد يحصل في غيرها أيضاً.

*باحث وأستاذ جامعي

المساهمون