عائلات مفخخة

عائلات مفخخة

17 مايو 2018
يرفضون إشراك الأطفال في العمليات الإرهابية بإندونيسيا (أنطون راهارجو/الأناضول)
+ الخط -
تصفيق حاد يتصاعد ويطول في غرفة معتمة، وقهقهات وأصابع ترسم شارة النصر. مشهد مُتخيل لقائد الجماعة التي خططت للعمليات الانتحارية بمشاركة الأطفال في إندونيسيا، يحتفل وأتباعه المقربين في وكر اجتماعاتهم السري. لم يتمكنوا من ضبط أنفسهم حين تلقوا خبر تنفيذ الأسرة بكامل أفرادها التفجير بحسب الاتفاق، فهللوا وباركوا ونحروا خروفاً بالمناسبة ووزعوا لحمه على الفقراء تيمناً بالنصر المبين. ثم ناموا ملء جفونهم حتى يتمكنوا في اليوم التالي من "إبهار" العالم بخطط غير مسبوقة تثير الرعب في النفوس.

شاهدنا ونشاهد فظاعات تمارس ضد الأطفال هنا وهناك. قتلُ أطفال الحجارة بدم بارد والعالم يتفرج، واستهداف تلامذة المدارس عمداً داخل صفوفهم بالغارات والصواريخ، وإجبار آلاف الصغار على مغادرة بيوتهم وديارهم مع أهاليهم المعارضين للأنظمة، وخطف الأبناء وإخفائهم للمتاجرة بهم واستغلالهم، ومنع الغذاء عن المحاصرين حتى ينال الجوع من الرضع والأطفال ويصابوا بأشد حالات سوء التغذية.

أما أن يتمكن آباء وأمهات من تفجير أطفالهم وتقديمهم قرابين تحت أي عنوان كان، ارتضوا أن يسمونه "الجهاد"، فهذا فعل صادم لعقولنا التي لن تلبث أن تمتص الصدمة بعد حين، وتتبرمج على اعتياده.

يظن المرء لوهلة أن الأبوة والأمومة لا تحتاج إلى اتفاقيات تحدد أصولها، تلك العلاقة من الحب المسؤول الذي لا يُعلّم. يبدأ قبل ولادة الطفل ويزداد ويشتد بعد ولادته، ويستمر باستمرار الحياة دون قيد أو شرط، فتأتي نماذج لتهدم تلك الصورة البشرية الإنسانية وتطيح بها وتهشمها.
كذلك علمونا بكتب التاريخ أن عبدة الأصنام كانوا يقدمون أطفالهم قرابين للآلهة لإرضائهم والتكفير عن ذنوبهم. ونرى صورة شبيهة يكررها اليوم من يحملون أطفالهم معهم لتفجيرهم أثناء تنفيذهم عملياتهم الانتحارية، يجعلون صغارهم قرابين لكن لمن؟ ما هي القضية التي تستحق أن يُقتل الطفل مجبراً ومسلوب الإرادة من أجلها؟



لمن؟ الجواب جاهز لدى فئة من البشر تؤكد بأفعالها وأفكارها الولاء للتطرف والتنظيمات الإرهابية، وتعتبر أن تفجير الأطفال بعمليات انتحارية ضد بشر آخرين يستحقون الموت لأنهم مختلفون عنهم بالأفكار والانتماء الديني أو العرقي، هو الفعل الصواب والطريق الأقصر إلى الجنة. وهكذا ظن من ربط أحزمة ناسفة على خصور الفتيات الصغيرات في نيجيريا بتكليف من حركة "بوكو حرام" المتطرفة لتفجير نقاط الشرطة ومراكز الأمن. أفعال لا شك أن جماعات أخرى ارتكبت مثلها من دون الإعلان عنها جهاراً وكان الأطفال فيها "المرسال" القاتل.

أما القضية التي تستوجب تفخيخ الطفل وسوقه إلى حتفه بأبشع أسلوب يمكن تخيله، تخدم من نجحوا إلى حدّ بعيد على أكثر من جبهة، خارقين سيادة دول كبرى أيضاً، في إقناع بعض الناس أن حماية الدين هو المغزى. الدين نفسه الذي يقول إن الأطفال زينة الدنيا، وإن قتلهم خطأ كبير، وأوصى بمعاملتهم برحمة وعدل.

المساهمون