العادي والاستثنائي

العادي والاستثنائي

11 مايو 2018
استثنائيّة... (Getty)
+ الخط -

"إذا حاولت دوماً أن تكون عاديّاً، فإنّك لن تعلم أبداً إلى أيّ درجة تستطيع أن تكون استثنائيّاً". هذا ما قالته مايا أنجيلو، تلك الشاعرة والكاتبة والممثّلة والناشطة الأميركيّة التي وضعت تحت عنوان "أعرفُ لماذا يغرّد الطائر الحبيس" سيرة السنوات السبع عشرة الأولى من حياتها الاستثنائيّة.

ماذا يعني أن يكون الواحد منّا عاديّاً؟ ماذا يعني أن يكون استثنائيّاً؟ العاديّ هو كلّ أمر دارج أو مألوف أو معياريّ، أمّا الاستثنائيّ فهو كلّ أمر خرج عن القاعدة العامة وصُنِّف غريباً... باختصار هو كلّ أمر غير عاديّ. ونحن، في حين نصرّ على تميّزنا عن الآخرين، نجد أنفسنا ساعين دوماً إلى تلبية شروط القواعد العامة التي تفرضها المجتمعات والبيئات باختلافها. نسعى إلى ذلك إذ نهدف إلى الاندماج في مجتمع دون آخر وفي بيئة دون أخرى. لن نتمكّن من "البقاء" في حال لم نندمج. هذا أمر مسلّم به، أو هكذا نظنّ. ويبقى الاندماج هدفاً أساسياً من أجل المساواة وعدم التمييز على الصعد باختلافها، في حين يؤكّد عارفون في علم الاجتماع أنّ الاندماج لا يشترط أنّ يكون المرء عاديّاً وتحت مظلّة القاعدة العامة. ويرفض كثيرون كلام هؤلاء، إذ يعدّونه مجرّد نظريّة غير واقعيّة.

بعيداً عن الاندماج، تبدو الاستثنائيّة ضرورة للتميّز. أمر بديهيّ. والاستثنائيّة هنا تعني حرفياً أن يُصنَّف المرء "غريباً". يكفي أن يستعرض الواحد منّا أسماء مشهورة في الأدب والمسرح والرسم والموسيقى وغيرها من فنون وعلوم، ليسلّم بذلك. كثيرون حاولوا العودة إلى المألوف والمعياريّ، غير أنّ استثنائيّتهم كانت تحول دوماً دون ذلك وقد جعلت منهم تلك الأسماء البارزة. وكلّما تناول نقّاد أو باحثون واحداً من هؤلاء، نجدهم يضيئون على نزعاته التي تختلف طبيعتها أو نوباته النفسيّة أو عدم مجاراته عصره أو خروجه عن اصطلاحات مجتمعه، إلى جانب تفاصيل أخرى ساهمت في صقله.




ونعود إلى الاندماج. لطالما سعى المرء إلى تلبية اصطلاحات مجتمعه أو بيئته، ولا يختلف الأمر اليوم عمّا كان في الأمس. ولعلّ ذلك يبدأ برغبة عامة تجتاح جماعة ما، في أجسام رشيقة. الأجسام الرشيقة تجعلك عاديّاً في مجتمعاتنا الحاليّة، فتجنّبك نظرات مستهجنة. كلّ ما هو غير عاديّ يستأهل الاستهجان. أمر منطقيّ. ربّما يكون المثال مبتذلاً، غير أنّه يصلح لتفسير قول مايا أنجيلو التي عرفت إلى أيّ درجة كانت استثنائيّة وعرفت كيف تغرّد. وهي، من خلال أعمالها، دعت كثيرين إلى الاستثنائيّة، وحثّتهم على الإقدام على التحرّر من هوس البقاء في خانة "العاديّ". وفي حين يُمعن كثيرون في الغوص في "العاديّ"، تُسجَّل محاولات لبلوغ "الاستثنائيّ"... وتبقى برسم الإنجاز.

المساهمون